كان أبو بكر المسكي بائعاً متجولاً للقماش، فنادته أمرأة إلى بيتها لعرض بضاعته، فلما دخل أغلقت الباب وعرضت عليه الفاحشة وإلا فضحته، نصحها وذكّرها بالله وبعذاب الأخرة فلم تأبه لكلامه وصممت علي طلبها.
فطلب منها دخول الخلاء، فقال: "رب اكفني بحلالك عن حرامك، بما شئت وكيف شئت"، ثم نظر إلى غائطه (البراز) وقال: والله إنه لأحب إليّ مما يغضبه، فأخذ الغائط بيده وجعل ينشره على ثيابه وجسده ثم خرج لها، فارتعبت المرأة وظنته مجنوناً وابتعدت عنه وقامت بطرده بسرعة.
فأخذ بضاعته وفر هاربًا إلى بيته والأطفال في الشوارع يصيحون ويسخرون منه ويجرون وراءه، إلى أن وصل بيته ودخل فاغتسل وهو يبكي.
ثم آوى إلى فراشه فنام، فسمع منادياً يقول: "أفعلت فَعلتك لرضانا؟ فلنرضينك إلى يوم لقانا" .
فقام من نومه فحمد الله على ما رأى، فإذا به يشم رائحة جميلة لم يعرف لها مصدراً، فأخذ بضاعته وخرج ليتاجر، فإذا بكل من يقابله أو يقترب منه يشم نفس الرائحة الطيبة، فعلم أنها تأويل رؤياه قد جعلها ربه حقًّا.
فظلت تفوح منه أينما ذهب، ولقبه الناس بـ (المسكيّ)، إلى أن توفاه الله وكانت رائحة المسك أيضا تفوح منه وقت غسله".
مواعظ و مجالس .. لابن الجوزي