شِتاء الخيبَة| ٠١

3.7K 352 201
                                    

❜ أقسى السُّجون وأمرُّها، تِلك الَّتي لا جُدران لها

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

أقسى السُّجون وأمرُّها، تِلك الَّتي لا جُدران لها.

- مقتبسة.

جسدي حبيس زنزانةٍ دهماء، حُدودُها واضحة، ومساحتُها محدودَة، على قِمَّة الجِدار المُقابِل للسَّرير الَّذي حجزتُ قِسمَه العٌلويّ فتحةُ تهوية، ينسلُّ عبرَها ضوءُ القَمر، كُلَّما اعتلَى السَّماء، ومِثل رامٍ مُحترفٍ صوَّب ضريحي، على الأقلّ أعلمُ مكانِي. مُهجَتي حبيسةُ جسَدي، تطرقُه بعُنفٍ راغبةً في التحرُّر مُنذ الأزل، إذ سئِمت حِرمان الحيَاة، وتعسُّفي. أمَّا فِكري فحبيسُ الفَراغ، يهرُب مِنّي، يضلُّ السَّبيل، ثُمَّ يعودُ إلى نُقطَة الانطِلاق، ألا وهِي أنا؛ الفراغُ أقسَى سِجن، نُسقى فيه اللَّامعنى، وننامُ في اللَّامكان.

قضي عليّ بالسجنِ مدة لا تزيدُ عن الحتفِ ولا تقلّ، ماذا فعلتُ على هذه الأرض؟ لقد ولدت لأعيشُ ملئ الحياة، غير أنّي أموت وما عشت إلَّا القليل. قعدتُ في قفص، اختلطَ الشؤم فيه مع البرّ، عراءُ محيطه نديّ، يقشعرّ بدني بسببه، لا يسربلُ جسدي سِوَى قطعةُ قماشٍ وحيدة.

جميعُ أيَّامي مُتشابِهة، كأنَّها قِطارٌ يسيرُ ذهابًا وإيَّابًا في ذاتِ السّكة، بينَما تُطلُّ نوافِذه على مناظِر ماضٍ مُخرَّب، وقلبٍ جريح. لقد تخلَّت عنِّي عائِلتي، وألبَسني والِدي ذنبًا حِكناهُ سويًّا، لم يُبادِر أيٌّ مِنهم بزيارَتي، كأنِّي غُصنٌ يبِس فاستأصلوه كي لا ينقل العدوى إلى بقيَّة الشَّجرة، عدا خادمة ما فوَّتت ولو موعِدًا واحِدًا لرُؤيَتي، رغمَ أنِّي أرفُض مُقابَلتها، لا أفهَم ما الغرضُ مِن إرسالِها إليّ، هل هُم بذلِك يُراضونني؟

صدَر عن البابِ الحديديّ صرير قويّ، وظهرَ مِن خلفِه الحارِس وشريكي في الزّنزانَة؛ تشانيول، إذ تذرَّع بألمِ معِدته لرُؤيةِ الطَّبيبَة الحسناء؛ كانَ يرتدي الزيّ الأزرَق المُوحَّد بينَ جميعِ السُّجناء، حتَّى أنَّا، رغمَ أنِّي أُشجِّع الاختِلاف والطَّبقيَّة.

وقف أمامي وراح يتصفّحُ ورقَ وجهي بجهامة، تحرّقتْ جميع المسوداتِ وتلوّنَ الأبيضَ بالأسودِ وتخالطَ الحبرِ مع نيرانِ عيونهِ المتأججة.

«لمَحتُ المرأة من وجهها، حسناءٌ بهية، كلامها راق لي ولم يكن فيهِ جفاء.»

ضيقتُ مجالَ نظري، التُرّهات الّتي يذكرها تشانيول لا جدوى منها. سربتُ كفّي الأيمن أسفلُ رأسي، موكلًا حملَ الكِتاب ليدٍ واحدة.

السَّجين| Prisoner 04حيث تعيش القصص. اكتشف الآن