ما أجمل الأرض على حاشية الأزرقين: البحر والسماء؛ يكاد الجالس هنا يظن نفسه مرسومًا في صورة إلهية.
نظرتُ إلى هذا البحر العظيم بعينَيْ طفل يتخيل أن البحر قد مُلِئَ بالأمس، وأن السماء كانت إناء له، فانكفأ الإناء فاندفق البحر، وتسرحت مع هذا الخيال الطفلي الصغير فكأنما نالني رشاش من الإناء.
إننا لن ندرك روعة الجمال في الطبيعة إلا إذا كانت النفس قريبة من طفولتها، ومرح الطفولة، ولعبها، وهذيانها.
تبدو لك السماء على البحر أعظم مما هي، كما لو كنتَ تنظر إليها من سماء أخرى لا من الأرض.
إذا أنا سافرت فجئت إلى البحر، أو نزلت بالصحراء، أو حللت بالجبل، شعرت أول وهلة من دهشة السرور بما كنت أشعر بمثله لو أن الجبل أو الصحراء أو البحر قد سافرتْ هي وجاءت إليّ.
في جمال النفس يكون كل شيء جميلًا، إذ تلقي النفس عليه من ألوانها, فتنقلب الدار الصغيرة قصرًا لأنها في سعة النفس لا في مساحتها هي، وتعرف لنور النهار عذوبة كعذوبة الماء على الظمأ، ويظهر الليل كأنه معرض جواهر أقيم للحورالعين في السموات، ويبدو الفجر بألوانه وأنواره ونسماته كأنه جنة سابحة في الهواء.
في جمال النفس ترى الجمال ضرورة من ضرورات الخليقة؛ ويكأن الله أمر العالم ألا يعبس للقلب المبتسم.
********
من كتاب وحي القلم
للدكتور مصطفى صادق الرفاعي