1-مدللة ❤

1.9K 79 48
                                    

لا اذكر من ذلك اليوم شيء ، فلم اكن سوى طفلٌ صغير لا أبلغ من العمر إلا شهرين وبضعة ايام ،

لكن استحضار امي لذاكرتها ، واخبارها لي كل التفاصيل المهمة وغير المهمة ، كان  شيئا غريباً ،

ظننتها لوهلة ، تشاهد فيلماً وتخبرني بالوقائع من قلب الحدث! 

او انها كانت تخفي سماعة او جهاز تسجيل في اذنها او تحت عبائتها المطرزة على الطريقة الفلسطينية كما اعتدت ان ارى امي وجدتي ترتديان! 

واعدتها ايضاً بذاك الزي ، كنت اظن انها لا تزيحه عن جسدها ابداً ، وانها ولدت به ويلتصق بها كأنه احد اجزاء جسدها او ربما  هي اضافةٌ عليه لكنها اضافةٌ جميلة ،

فقد كانت امي به تبدو نحيلةٍ ممشوقة القامة ، وتلك الخيوط الذهبية به تعكس لمعةً بعيناها لتجعلهما اكثر تحدي واصرار! 

لم تكن امي تعاملني على انني صبيٌ ذو عشرةٍ اعوام! 

فقد كانت تظنني  شاباً يستطيع فلق الحجر بصرخةٍ مني ،

او باحكامةٍ بسيطة من يدي على زوايا هذا الحجر 

لم تكن تسمح لي ان العب مع اولاد الحي بالكرة او الغميضة ، وان رأتني مندمجاً مع احدهم بالعب ، كانت تنهرني وتعاقبني ، تهمس لي بحدة " بلدك مش راح يتحرر وانت بتلعب كرة قدم ولا غميضة"

كُنت اتذمر وابين لها مقدار سخطي وغضبي من هذه القوانين التي تسنها لي كل يوم! 

لكن بـ صفعةٍ واحدة منها اصمت ولا اعود حتى للنحيب ،

اقبل يدها واقفز لمكتبي ، ابتدأ بتحضير واجباتي والرسم! 

كنت دائماً حين ارسم استلهم امامي يافا ،

ليست مدنيتني التي هُجرت منها ،

انما يافا عشق الطفولة ، التي لم ولن انساها يوماً ،

كنت اغار عليها حينما تقوم بلعب مع اولاد الحي ، فيقوم احدهم بـ شد شعرها او الإمساك بطرف ثوبها ، انهال عليه بوابل من الضرب ، فيشتمني قائلاً يلعن ابوك ، اعود مرةً اخرى لضربهاقائلاً : ابوي شهيد ي ا ابن الكلب ، ابوي شهيد يا حيوان ،

فيصمت الجميع امامي وانا اضربه ،

كأنهم يخبرونني ان اباك شهيد فلك الحق في قتل كل من يشتمه ولو صامتاً او داخل لواعج قلبه! 

اعود للبيت ،واسير امام امي للحمام فتراني ،فتقوم بضربي و شتمي ..

فقد وسخت لها السجادة التي كانت قد غسلتها الاسبوع الماضي ،

او حتى مقبض الباب! 

فكل ما بي تراب ، وكأنني عدت لـ الذي خلقت منه وبدأ يتسرب مني بشدة

----------------

اسمع ، اوعك تحكي لحدا اني انا بدي اتخبا بمخزن مدرستنا! 

ولك يافا الدنيا برد كيف بدك تتخبي هناك ؟

ما عليك انت ، انا بس بدي اتخبى وما حدا بعرف غيرك! 

هكذا اخبرتني يافا ، قبل ان تنطلق صافرات  الانذار بالمخيم ، وتدق امها كل باب جامع او باب بيت تسألهم عن طفلة صغيرة بشعر اشقر ، شعرها مربوط سنبلة ، وعيونها زرق مثل بحر يافا!  ريحتها تشبه ريحة برتقال بلادي ،

كانت تردد ام يافا هذه العبارات وتجهش بالبكاء ، حتى رأيتها تتهاوى بين يدي زوجها ،

كان منظرها مفزعاً ، يبكي الحجر ، لكنني لم استطع اخبراها عن مكان ابنتها ، فقد كان هذا السر امانة ، ولا يمكنني ان اخونها ،

لم اعلم لم اختبئت يافا ،

ولم اخبرتني انا تحديداً بهذا السر ، الم تخف ان اخبر امي ؟

او ان اقول لامها اين هو مكانها! 

ذهبت في الصباح لاعطيها بعض سندويشات "الزيت والزعتر " وكنت قد قطفت من شجرة جارتنا ام مالك بعض حبات التين ، لا انكر انها لحقتني بـ بعض الشتائم ورمت علي بعض الحجارة ، الا انني كنت اسرع منها ، فهي ثقيلةٌ جداً بجسدها السمين  ، كانت مسنة ، لكنها تعرف اخبار المخيم جميعها ، تعلم متى دخل ابو علي بيته بالرغم انه يبعد عن بيتها مسافة شارعين ، وماذا طبخت ام احمد لاولادها على العشاء ، باختصار كانت داهيية! 

ظلت ام يافا على نحيبها المتواصل ثلاث ايام ،

لم احتمل رؤيتها على هذا الحال ، ذهبت وبحت لها بذاك السر الدفين ، واخبرتها ان يافا الان في امان ،

ذهب ابوها لاحضارها ،

لم يضربها مع انني كنت اتوقغ ردة الفعل تلك ، فقد اعتدت على ضرب امي لي عندما اغيب لساعة! 

كيف وهي غابت لثلاث ايام ؟

اخبرت امها انها غابت لانها تعلم ان الان سيكون لها اخ ، وسيسطو على كل الدلال التي كان متاحا لها 

كم كانت لعينة....

وقفت كل المخيم ع رجل ونص بسبب غيرتها!!!

على ضفاف يافا ♥~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن