كان موت ابو عمار اخر امل لنا بالعودة! لا ادري لم تيقنت تماما ان سبب العودة قد مات !!رحل وما زلت أراه امامي يرفع يده مشكلا علامة النصر ويقول "يا جبل ما يهزك ريح".
استشهد شباب كثيرون لا ادري ان كان غضبا لموت عرفات ام دفاعا ! لا يهم لإنهم قد استشهدوا الآن ،
كنت ارى الموت بين يدي ذلك الطفل يحمله بين يديه متكورا على هيئة حجر, لا ارى اي علامة خوف في عينيه!!
علينا ان نتأقلم الان مع المخيم ، فـ لنعقد هُدنة مع زوايا هذا المخيم ،
ولنتصافح مع قطرات المطر التي تغزو كل شتاء بيوتنا المهترئة ، ومن يسألنا "من وين اصلك " نخبره ب تنهيدة ، وصمت ، فنحن من الان وصاعداً ، ابناء وطنٍ لا مكان له!
وعن نفسي لن استفيد ان اخبرت احداً ان يافا هي موطني الاصلي ، فموطني الذي ولدت به واموت ، ليس ذاك الذي حدثتني امي عنه!
اعلم ان كلامي ليس منطقياً ، لكن فلسطين هي قضية العرب جميعاً ، لهم جميعاً ،
تصاعدت تداعيات استشهاد الرئيس عرفات ، استشهد الكثير من الشبان ، ناهيك عن اصواتِ القنابل التي كانت تخترق اذان التلفاز ، ومشاهد الموت ، كنت ارى الموت بين يدي ذاك طفل ، يحمله بحجر ، لا يخاف! يلمس صدر ذاك الصهيوني ، يأخذُ روحه بخفة! ويتهاوى ساقطاً على ارضٍ لا تريده! ابناء شعبي ماهرون في التقاف الموت ، واستقباله! في كل عمليةٍ استشهادية او مظاهرة ، ترى الموت يشرع فأسه فوق رأس كل طفل او شيخ! ومع ذلك لم يخف منا احد ، كنا نحييه بتحية ابناء شعبي ، نحييه بصوت قضيتنا ، بصوت الزفة الشعبية ، او اهازيج مواسم قطف زيتون ، لم نكن نخافه فقد كان منا ، ولد معنا ، وعاش
جميع من بالمخيم يعلن حالة الاستنفار ، الا يافا ، تريد لعب البيت بيوت! تطرق كل ابواب المخيم فلا يجيبها احدٌ منا ، الا انا بأمرها دائماً !
سيف بدي العب شوف كيف الكل مش موجود!
تعالي بنلعب انا وانتي سوا ،
وكأنني وجدت الفرصة المناسبة لأخبرها لواعج قلبي ؟
انني هائمٌ بها منذ بدء الخليقة! وروحي تنبض داخلها!
كنت صغيراً بعمري ، بقلب رجل ، لا ابكي ، لم اذكر انني كنت ابكي من احد ، باستثناء صراخ امي وغضبها الدائم مني!
كان شرف ابي يلاحقني دوماً قائلا ، انت ابن شهيد ، يجب ان تكون مثله!
اسأل امي : كيف ؟ تجيبني قائلة : يعني ي امي حامل روحك ع كفك وماشي!
اضحك لوهلة ، اتمتم : هل الروح شيءٌ ملموس ؟
يجب **
هل الروح شيء ملموس وها انا كبرت يا امي وعرفت ان الروح سر لا يدركه عقلنا لكننا نحملها ومسؤولونا عنها !
كيف احملها ؟ ككرة القدم او هي نقود اضعها في جيبي
ماذا تقول امي ؟ "بتسرح فيني لاني صغير يمكن "
هكذا كانت تخبرني يافا دائما عندما اخبرها عن كلمات امي المغمغةِ تلك ، تضحك ملء شدقيها وتقول : سيف اهلنا محملين حالهم هم ، واحنا لسا صغار عليه ، تعال نلعب وبكرا بنكبر بنصير متلهم!
ينتفض قلبي عندما اعلم انني سأصبح كأهلي!
شهيد كأبي لا يعلم احدٌ مكان قبري ؟
او كأمي تعيش على فتات ذكرى ؟
او مثل جارنا ابو مراد يعيش برجل واحدة! لانه فقد اليسرى بآخر اجتياح قبل ان يهااجر!
لا اريد ان اكون مثل احد ، ولا ان احمل حلم احد!
حتى حلم امي بأن اكون مقاوما كأبي لا اريد منها الاسهاب به او ان تطير بأفقه اكثر!
فانا لن اكون الا ما اريد ،
تضحك يافا قائلة: كلنا واحنا صغار بنقعد نحكي هيك بس لما نكبر بنرد ع اهلنا!
يافا كانت الحاجز لاحلامي دوماً ، لا تسمح لي ان اطير بها ولا ان اصنع لي جناحات ، كانت تهلكني ب "تنكيس"
ملكة التنكيس...... ليس التكنيس ، فقد كانت فاشلة بأعمال المنزل مثل فشلي بدراسة الرياضيات!
لم نلعب في ذلك اليوم ، بل تربعت اخبرها عن ابو عمار ،
كانت تخبرني من هو ، لمَ لم نراه يوماً بالمخيم!
كالمختار! ضحكت واخبرتها انه رئيس شبعنا ، اخبرتني واجمة وان كان رئيس لمَ نبكي عند موته ؟
حينما تموت رئيسة صفنا سأقيم عرساً ووليمة!
تقصد المعلمة.....
انتفضت بوجهها صارخاً ، مات رئيس يعني قضيتنا ضاعت يعني خلص ما فيه انت ترجعي ع بيت لحم وانا كمان ما راح اروح ع يافا ، اتبعت قائلاً ، اصلا انت ليش اسمك يافا وانت ما بتعرفي شي عنها ؟
لم ارى خوفاً بعيينها مثل ذلك اليوم ، حدقتا عيناها كانتا ترتجف ، لكمتني بوجهي قائلة انت مش صديقي وانا بكرهك ، اسمي يافا لانه بحب فلسطين مش زيك خجلان لانه ابوك شهيد! لم اخجل لان ابي شهيد ، بل لانني كنت احلم أن أمضي يوما واحداََ فقط برفقته ، نذهب لصلاة الجمعة واعود متلقفاً يداه لا اخاف من ضربات ابن جيراننا علي فقد كان ابي يحميني ، كنت اغار من كل طفلِِ له اب ، وابكي ليلي طالباً اباََ ليومٍ واحذ! اريد تجربة الشعور فقط ، شعور الامان والحب.....