الياس أنيس خوري
حصاد العاصفة
- روايــــة -
من منشورات اتحاد الكتاب العرب
1998
تصميم الغلاف للفنان : عبد المعطي أبو زيد
الإهــداء..
إلـى ســـــلوى خــوري هاشم
-1-
أشعلت سيكارة واتكأت بمرفقيها على سور الشرفة الغربية مفلته نظراتها في ظلمة الوادي الخرساء.. إلى أقصى الجنوب ناصت آخر امتدادات أضواء خليج العقبة المتراقصة كفراشات كسلى. فتحت عينيها على وسعهما وحدقت بقوة محاولة اختراق حجب الظلام إلى الشاطىء المقابل لكن لم تكن هناك سوى كتلة سوداء ابتلعت الأفق وغيبته في عتمة سرمدية. مجت من السيجارة بشراهة ثم نفثت الدخان مترافقا بتنهيدة طويلة.
لم يعد ثمة معنى لمزيد من الانتظار. لقد اتخذت قرارها وحزمت أمرها فماذا أصابها الآن؟ لم تعهد في نفسها مثل هذا القلق والاضطراب من قبل.. حتى في أسوأ الأزمات لم تفارقها ثقتها بنفسها. اعتادت أن تمضي قدماً ما إن تدرك أنه ليس ثمة خيار آخر أمامها.. أهو التقدم في العمر؟ لاشك في ذلك.. حسابات المرأة في الخامسة والأربعين هي بالتأكيد غير حساباتها في الخامسة والعشرين، عهد الجسارة والعنفوان والإقدام! الآن صار عليها أن تعد للعشرة قبل أن تقدم على أية مجازفة.. لكنها عدت للألف هذه المرة.
لم يكن طارق يخفي اعتزازة "بجسارتها الطائشة" حين أنقذته من يد الشرطي في مظاهرة باب العمود. أو حين هددّت الخوري أنطوان بأنها ستذهب لتتكلل عند الكاثوليك إن لم يكللهما هو. لكنه لم ينس في الوقت نفسه بأن يحذرها من أن تودي بها تلك الجسارة إلى منزلقات لا تحمد عقباها. فليس في كل مرة تسلم الجرة..وانكسرت الجرة بأسرع مما توقع. تفتتت وتبعثرت شظاياها مع رافايل.
وهزت رأسها بعد تلك الأفكار ثم شدت جذعها ورمت السيكارة ليست الشجاعة ما ينقصها بل الثقة بقدرتها على مواجهة ما بعد الزلزال الذي سيفاجئهم دون سابق إنذار كما فاجأها هي.. ما زالت حتى الآن تشعر بالعجز عن استيعاب المسألة بعقلانية.. لكنه طارق.. كل ما فيه طارق. حركاته.. نظراته.. صوته.. أنفاسه.. لمساته.
بإمكانها كتم الأمر وكأن شيئاً لم يكن ولن يكون هناك شيء إن أرادت.. لكن إلى متى؟ ستكذب على نفسها إن تصورت أن حياتها يمكن أن تستأنف مسيرتها المعتادة وكأن شيئاً لم يكن.. ولكنها إن تكلمت فلن يتبقى شيء كما كان سابقاً.. خياران أحلاهما مر!. فإلام ترددها؟ منذ أسبوع وهي تهيئ نفسها لتلك الساعة. خططت لكل شيء بدقة واحتكام.. حفظت عن ظهر قلب كل كلمة ستقولها، وطريقة لفظها. ومتى تصمت، وكيف تواجههم، وردات فعلهم و..