1- أريدُ طـفلاً

89 8 12
                                    


في هذه الغرفة المغلقة ... لم يكن الضوء البرتقالي المنبعث من الشعلة الصغيرة في يدي يساعد في شيء ... صوت حركة حراشفٍ حولي ... فكي المرتعش ... وتلَفُتي برقبتي المتيبسة من الخوف ... كان الشيء الوحيد الذي استطعتُ فعله ... صوت وقوع الكأس على الأرض ... أخرج شهقةً مزقت أضلعي ... لم أستَطِع النظر خلفي لرؤية ما حدث ... أُغمِض عيني لثوانٍ فقط محاولة جمع شتات نفسي ... فتحتهما بسرعة لأجد وجهه الأسمر قرب وجهي يبتسمُ ببرود ... لا أذكر سماعي لصوت صرختي تلك ... لربما هذه صرختي الأخيرة ...

***

في أحد البيوت القديمة وفي وضح النهار ...
-أتشرب مجدداً ... ألا ترى كم الوقت الآن ... لقد سَئمت منك ومن العيش معك ...
وضع الرجل يده على فمه متثائباً وبكلمات متثاقلة : هشششش ... أنتي .. صاخبة للغاية ... ليس عليكي الصراخ في كل مرة أشرب فيها ...
الزوجة : وكأن الأمر نادر الحدوث ... أتمنى تذكر مرة رأيتك دون زجاجة المشروب ...
الزوج : وهذا بسبب من ... أليس لأنسى صراخك المستمر ...
اقترب الرجل من امرأته ووضع يده على وجهها مداعباً إياه : لما لا تستطيعين معاملتي كزوجةٍ لطيفةٍ ... تنتظر زوجها بعد العودة من العمل في قطع الحطب ... لتأخذه بين ذراعيها الجميلتين مخففة عنه هموم حياته ... ومشعلة رغباته الداخلية ...
قالها ثم أمسك بالقنينة ... وبدأ الشرب منها مباشرة ...
الزوجة : وماذا إن فعلت هذا ... وكأننا سنستفيد شيئاً ... أوليس لتكون رجلاً في البداية ...
غضب الرجل من كلام زوجته ... ورمى الزجاجة على الأرض بقوة فتناثرت آلاف القطع ...
الزوج : أعدتي لهذا الكلام مجدداً ...
المرأة : وهل كلامي خاطىء؟! ... لم نستطع أن ننجب ولداً واحداً بسبب عقمك ... انت لست رجلاً ...
رفع الرجل يده بسرعة محاولاً صفعها ... لكنها أمسكت يده ...
الزوجة : قبل أن تحاول ضربي ... حاول إنجاب طفلٍ لي ...
وأبعدت يده بقوة ففقد توازنه وسقط أرضاً ...
الزوجة : لو كنت أعلم أن هذه حياتي بعد أن تتزوجني لم أكن لأقبل بك وبحبك السخيف ... رافضة كل من تقدموا لي من أبناء زعماء القبيلة ... وفي النهاية حصلت على ما أستحق جراء معارضة والدي ...
وضبت الزوجة أغراضها وغادرت المنزل ... تاركةً خلفها زوجها المرمي على الأرض ثملاً منهاراً ...
بدأت الذكريات الجميلة تَلِجُ عقلَ الزوج ... لَكَم كان حبُهما مزدهراً ... ولَكَم عانيا للوصول إلى هنا ... ذكريات أَرغمت دموعه على النزول ...
-لا أصدق هذا ... كيف أصبح الوضع هكذا ... لِمَ لَم أستطع تلبية طلبها الوحيد ... كل ما أرادته كان طفلا صغيراً ... لكني لم أستطع إنجابه ... يالي من فاشلٍ أخرق ... لقد دقت ذرعاً بوضعي هذا ... لقد مللت معايرة الناس لي ... هذا يكفي ... يكفي حقاً ...
قالها بصوته المبحوح الأجش ...
بعد ذلك هام الرجل على وجهه في أصقاع الأرض ... يفترش العشب الأخضر ... ويتلحف سواد الليل المكللِ بحمرةِ النار المتقدة ... عَلَّهُ ينسى حُبَه وبلاءه الأعظم ... أو يجد الحل لكِليهما ... في أثناء رحلته هذه ... مرَّ بقرية مهجورة في أعالي الجبال ... قَرر قضاء الليلة فيها عوضاً عن التشرد الذي كان فيه وخوفاً من الحيوانات المفترسة التي قد تفتك به ... فترك عتاده في أحد منازلها خارجاً للصيد وجمع الحطب ... عاد بغنيمة مُرضيَة من الأرانب و البط ...
حلَّ الليل بصمته المطبق وقمره المكتمل ... مبعثراً غيومه في السماء ... فقمرنا الأبيض الناصع تارةً يظهر وتارةً يتوارا بين الغيوم ... باسطاً ظلمةً تستمر لحظاتٍ أو أكثر ... كما لَم تتوانا الحشرات والحيوانات الليلية عن ترك أثرها بصدىً يُخشِعُ القلوب ...
كان ذلك بأكمله يُحيط برجُلِنا داخل ذلك البيت الخشبي المهترء من بيوت تلك القرية المهجورة ... رغم هذا أشعل موقده وبدأ طهي ما اصطاده فقد اعتاد أجواءاً كهذه خلال حياته ... وخاصة خلال رحلته الصغيرة تلك ...
وعندما أَحكم الليل قبضته واشتدَّ سواده ... وعلى حين غَرَّةٍ من رجلنا المسكين انطفأت النار بغتةً ...تجمد الدم في أوصال الرجل بعد أن رأى خيالاتٍ غريبة تحوم حوله ... اقترب من فأسه بهدوء ... واستلها مسرعاً آخذاً وضعيةَ الاستعداد لأي هجمةٍ قد تناله ... ظِلٌّ أسودٌ طويل قد انعكس من النافذة على الحائط ...
-من هناك ؟!...
صرخ بأعلى صوته ... لكن لم يجب أحد ... اقترب من الباب بخطواتٍ مترددة ... ثم فتحه بسرعة وهرع للخارج التفت يمنةً ويسرة ... لكنه لم يجد أحد ... أظلم المكان بسرعةٍ إثر غيمةٍ عابرة ... تاركة أنفاس الرجل تتلاحق ... قلبه يكاد ينتزع من صدره ... وفي أثناء هذا مُدت يدٌ من خلفه ممسكةً بكتفه وسَمِعَ صوت شخصٍ يهمس في أذنه
-من أنت ؟؟...
استدار الرجل بسرعة ... لكن أحداً لم يكن وراءه ... بدأ النظر حوله وتفقد المكان جيدا لكن لم يتبين له أثرٌ لأي شخص فسلم الرجل في قرارة نفسه أن ما حدث ليس سوى نسج من الخيال ... عاد إلى المنزل الذي كان فيه ... وأشعل النار مجدداً جلس قربها بعد أن لَسعهُ البرد ... بدأ يَسمَع همهمات ضحكات صغيرة ... وشعر بالرياح الخفيفة تلفح وجهه رغم أنه تأكد من إغلاق جميع المنافذ ...لم يتمالك الرجل خوفه وهمَّ بحزم أمتعته بسرعة .... بدأت الهمهمات تصبح أكثر وضوحا ...
- إلى أين تذهب دعنا نلعب سوية ...
=لم يزرتا أحد منذ فترة ...
ما إن أَنهى الرجل حزم أمتعته حتى اندفع نحو الخارج .... حاول فتح الباب فأغلق بوجهه بقوة ... وكأن شخصاً يشده من الخارج ... استمر بجذبه إليه لكنه لم يستطع فتحه فاستل فأسه محاولا تحطيمه ... قوة غريبة دفعته بعيداً عنه ... وما زالت الأصوات والضحكات تتعالى باعثة الرعب في داخله ...
بدأ الرجل بالصراخ : أين أنت ... أظهر نفسك ... لا تحاول العبث معي ...
توقفت الهمهمات والضحكات فجأةً ... عمَّ الهدوء المكان ... بدأ الرجل يُنقِّل أنظاره أنحاء البيت ... لم يجد أحد ... عاود محاولة فتح الباب ... فَفُتِحَ مباشرة ... هرع بالخروج ليسمع صوتاً خلفه ...
-بهذه السرعة ... ألم تكن تبحث عن علاج ؟!...
استدار فوجد إمرأةً فاتنةً تجلس على الكرسي قرب المنضدة ...
- أأنت من كان وراء هذا كله؟! ...
= ليس تماما ... فأتباعي أرادو العبث قليلا ...
- أتباع ؟..
أردف الرجل مرتاباً ... فأشارت خلفه ... التفت ببطء ليرى ثلاثة كياناتٍ شِبهُ شفافة ... بعيون غائرة ... وبشرةٍ شاحبة ... ارتسمت على وجوههن إبتسامةٌ توقف الأنفاس ... أشاح الرجل بوجهه عنهنَّ بسرعة ... و نظر إلى المرأة مجدداً ... وقال بصوتٍ مخنوقٍ حانق ...
- ماذا تريدين ؟! ...
ابتسمت المرأة إبتسامة شيطانية وقالت بغرور : أولستَ أنت من تريد ؟! ...
نظر الرجل لها بحيرةٍ : أريد؟! ...
ثم أضاءة الفكرة في رأسه : أتقصدين أنكِ تعلمين عما أبحث؟! ...
المرأة باستخفاف : أأبدو كمن لا يعلم ... يا بينسون ...
بينسون : اذاً ... أستُجيبين طلبي ؟! ... أتستطيعين هذا ؟! ...
المرأة : بالطبع ... لكن لا شيء يأتي مجاناً ...
بينسون دون تفكير : سأفعل أي شيء ...
المرأة بنظرةٍ خبيثة : أأنت متأكد؟ ...
تردد بينسون ثم قال : أهو شيء لا أستطيع فعله ؟... أو يتضمن فقدان حياتي؟ ...
المرأة : لا مطلقاً ... إنه شيء ستستطيع فعله ... ولا تقلق لستُ مهتمةً بحياتك ...
بينسون : إن كان كذلك فأرجوكي أسعفيني أيتها المشعوذة ...
المرأة : ادعني كارولين ...
ثم خرجت أفعى ضخمة سوداء بعيونٍ خضراء لامعة من خلفها ، وبدأت الزحف باتجاهه ... توسعت عينا الرجل ... وأخذ عدة خطوات للخلف من هول ما يحدث ...
كارولين : لا تقلق إنه طفلي العزيز ...
وبحركة خاطفة التفت الأفعى حوله لادغة إياه من عنقه ... صرخ الرجل متأوها وارتمى على الأرض يصارع ويلات الألم ... والعرق ينصب منه بغزارة ... صرخاته وتأوهاته دامت لفترة ليست بالطويلة ... بعدها بدأ الألم يتراجع شيئاً فشيئاً تاركاً بينسون لا يستطيع تحريك إصبع ... إقتربت كارولين منه ..
وقالت هامسة : عندما تريدني أصرخ باسمي في جذع شجرة ... وبشأن ما أريده كمقابل ... سآخذه لاحقاً ...
أغلق بينسون عيناه بهدوء ... واستسلم لنومٍ عميق ... استيقظ في صباح اليوم التالي ... وبدأ بتذكر ما حدث معه في اليوم السابق ... ارتسمت إبتسامة عريضةٌ على محياه بعد أن تفقد مكان لسعة الأفعى ليتأكد انه لم يكن حلم ... جمع أغراضه مسرعاً وهرع عائداً إلى قريته ... ما إن وصل حتى توجه إلى زوجته مباشرة ...
- يوران ... يوران ... أخرجي ... لقد جئتُكِ بخبرٍ لن تصدقيه ...
خرجت يوران -الزوجة- من منزل والديها ...
يوران بملل : ماذا ...
اقترب منها بينسون بلهفة وأمسك كتفيها وقال بفرح : وأخيراً ... أخيراً حلمنا سيتحقق ... سيصبح لدينا طفل ... أخيراً ...
أشرق وجه الزوجة وكادت الإبتسامة تنبثق على وجهها ... لولا أن عضت على شفتها برفق وتحولت نظرات الفرح إلى نظرات تفكيرٍ عميقٍ للحظات ...
ثم قالت باستدراك : أتحاول خداعي لأعود إليك؟! ...
بينسون : لا أقسم لك ... أقسم لك نستطيع إنجاب طفل ...
رمقته بنظرات حيرة وأردفت : وكيف هذا؟! ...
قال : دعينا ندخل لأروي لك ما حدث ...
دخل الزوجان بيت الأهل ... وبدأ قص القصة أمام يوران وأهلها ...
الوالد : كارولين ... لقد سمعت هذا الاسم من قبل ... لكني لا أذكر أين ...
الأم : أجل ... هذا صحيح ... لقد سمعت هذا في القرية عندما ذهبنا لبيع التوت العام الفائت ... أن تلك المشعوذة قد داوت ابن الحداد بعد أن وقعت عليه السيوف وفقدوا الأمل بشفاءه ...
الوالد : هذا صحيح لقد تذكرت تلك الحادثة للتو ... يالها من حادثة شنيعة ...
يوران : ولكن ألم تخبرك بما تريده منك في المقابل ...
بينسون : قالت أنها ستعود لأخذه ...
ثم أردف قائلاً بلهفة : ستعودين معي الآن أليس كذلك؟؟ ...
نظرت يوران إلى والدها الذي كان يبدي معارضته ثم نظرت إلى زوجها وعيونه المليئة بالحب ...
فقالت بعد أن ابتسمت إبتسامة خفيفة : لم لا نجرب الأمر بضعة أشهرٍ ... وبعدها سأقرر ما إن كنا سنبقى سوية ام لا ...
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه بينسون تكللها بهجة عميقة ... في الوقت نفسه الذي اكتسح فيه الإنزعاج وجه والدها مسيطراً على ملامحه ...
✮✮✮

^-^

أتمنى أن يكون البارت قد نال إعجابكم ....

لاتنسوا تحطوا نجمة 🙆

» COBRA || گوبرا «حيث تعيش القصص. اكتشف الآن