2- لعنة القسم

46 7 22
                                    

لقد مرَّ شهرٌ بالفعل على عودتي له ... تغير الكثير في حياتنا مذ تلك اللحظة ... أصبح ألين في تعامله معي ... والجيد في الأمر ، أنه لم يعد يحتسي المشروب بتلك الشراهة في جميع الأوقات ... حياتنا كعاشقين شغوفين تزدهر مجدداً ... السعادة تغمرني في كل دقيقة ...

لكن لازالت تلك الغصة عالقةٌ في حلقي ... تكاد الدمعة تنفر من عيني عندما أرى أطفال القرية يلعبون أمام باب منزلي ... أحدق فيهم ساعاتٍ طوالٍ ويُتَخيَّلُ لي طفلٌ صغيرٌ يَعبَثُ بينهم ... في كل مرةٍ أتخيله بصفاتٍ مختلفة ... تارةً يكون صبيٌّ أشقرٌ بعيونٍ زرقاء ... وتارةً فتاةٌ ببشرةٍ بيضاءَ وشعرٍ بنيٍّ طويل ... صبيٌّ أسود الشعر ... فتاةٌ بثوبٍ أحمر ... عيونٌ كبيرة ... تعابيرُ طفولية ... تفكيري هذا يعتصر قلبي ألماً ...
وأعود لأواسي نفسي بكلمات زوجي ، الذي أكد لي شفاءه ...
ولَكِنْ متى؟ ، متى سأحمل طفلي بين ذراعيّ؟! ، متى سأراه يركض أمامي؟! ، متى سينطق كلمته الاولى؟! ...
الصبر ... الصبر يا يوران ...

"عزيزتي لقد عدت " قاطع صوت بينسون أفكارها لتردف " أهلا بعودتك .. ولكن ألم ترجع باكراً "

- لقد فعلت ... وذلك لأنَّ منظراً بديعاً استوقفني منذ قليل .. ولم أجد نفسي سوى مهرولاً إليكي لأريكي إياه ...لذا هاتي بعض الطعام ولنسرع بالذهاب في نزهة ...

تزاحمت ابتسامة يوران بين غمازتيها الجميلتين ...وقالت بحبور : لا أصدق أنك عُدت لهذا ... يا للحماقة ...

- إن كنت ترينه كذلك ، فلا داعِ لذهابنا

= لا لا لم أعني ذلك ، سأوضب الأغراض فوراً ...

انطلق الزوجان للمكان المنشود ... ما إن وصلا حتى توسعت عينا يوران ، وبَدأت تُنَقِلُ ناظريها بين ثنايا اللون الأخضر الجذاب ... الأشجار الطويلة البازغة ، متحلقةً حول بقعة من العشب الأخضر المنبسط ، يقطعها نهرٌ سلسالٌ مياهه رقراقة ، أشعة الشمس المتكسرةُ على أوراقِ الأشجار تضيء قطعةً اقتُصَت من الجنة ...

جلس الزوجان بين الحشائش يتبادلان أهازيج العشق ، حتى أخذت أشعة الشمس تتسرب خلف الأفق ..

وفجأةً دون سابق إنذار تدافعت الغيوم السوداء كثيران هائجة مُكتَسِحةً السماء بسوادها ، مُطلِقةً أسهم البرق ، لتصيب أماكن متفرقةً من الأرض ...

هرع الزوجان إلى بيتهما عائدين ... ما إن وصلا حتى أغلقا جميع المنافذ وأشعلا الموقد متحلقان حوله ...

لم يكن ذلك حال الجميع ... ففي الجهة الأخرى ، شقت ألسنة اللهب القرمزية سواد الليل القاتم ، مندلعةً في أحد منازل البلدة ...

وِسْطَ صرخات قاطنيه الملتهبة ، جَفلَت قلوب الناظرين ، بينما عَجِزَت دلائهم عن تقديم المساعدة في مواجهة تلك النار المستعرة ... نارٌ صماءٌ مزمجرة التهمت عظامهم دون رحمة ...

» COBRA || گوبرا «حيث تعيش القصص. اكتشف الآن