"" الفصل الثالث ""
... لا يوجد شيء بالحياة أصعب من إنتظار لحظة المواجهة، خاصة و أنت تعلم بأنك ظالم، حتي أنك تأمل أن تنتهي تلك المواجهة بالعتاب ...مجرد عتاب، نعم ... فقط تريد العتاب لكي يهدأ ضميرك، ذلك القاضي الذي يحكم عليك بحكمه العادل دون هوادة، إنه كالمرشد لصاحبه الصالح الذي يخاف عليه أن يضلَّ طريقه، و كالجلاد للطالح الذي يظل منكراً لأخطائه و يظل يتبرأ من أفعاله، لكي لا يتخلي عن كبرياءه كرجل، و يظهر نفسه مخطئاً، فهو رجل لا يخطئ، هو كائن أكثر كمالاً... و أرقي، هو من يمتلك القوامة، إذاً هو يستطيع فعل أي شئ، دون سابقة حساب أو عقاب، لأنه رجل...
... وقفت أمامه تنتظره لكي يتحدث، لكي يكمل إهانته لها، لكي يشعرها بالمزيد من دونيتها و يستمتع بإستحقارها، ظلت تنتظر و تنتظر حتي ملت الإنتظار، هما بالرحيل ليوقفها بصوت جامد :
- ماذا قررتِ... ؟!
إلتزمت الصمت لدقيقة، ترمقه بنظراتها القاتلة، و أعين جامدة من أثر بكاء دام طويلاً، لتقطع صمتها بسخرية :
- لقد سبق و أخبرتك قراري، هذا منزلي و سأظل به مع أطفالي، و إذا كنت تريد الرحيل فلترحل، أنت لم تعد تشغلني، لقد أصبحت كالخانة الفارغة بالنسبة لي، لم تعد الزوج... أنت مجرب أباً لأبنائي لا أكثر.
لو كانت الكلمات تقتل لأردته قتيلاً بالحال، ما أصعب أن يفقد الرجل مكانته بأعين زوجته، و هو فقد كل شيء كانت تضمره له، و لم تُبقي له أي شيء سوي كونه الأب، فهل يوجد شيء بالكون سيفقده أكثر، هو يعترف لنفسه بأنه لم يحبها، لكنها أعطته كل شيء، فمال قلبه لها رغماً عنه، لم يرغب بإعطائها أي مشاعر.. فإنتزعتها هي غصباً و إقتداراً
إكملت حديثها بنبرة لا تقبل النقاش :
- آه لقد نسيت إخبارك بأنني سأبدأ عمل منذ الشهر القادم، و لن أكون كالبهيمة التي تنتظر طعامها.
قالتها بسخرية شديدة، لتكمل بجمود :
- لكن هذا لا يتنافي مع كونك ستنفق علي أولادك و تجعل لنا مال خاص بنا.
- بأحلامك... عملك هذا بأحلامك، لن أسمح لكِ بفعلها
- و من أنت لتسمح أو لا تسمح، فقط أخبرني بأي حق ستمنعني يا زوجي العزيز
إتخذ الحوار منحني حاد، ليزفر بعمق محاولاً التمسك بهدوءه، فتحدث محاولاً إيجاد أي سبب لمنعها من العمل :
- لن أسمح لكِ بالعمل و ترك أبنائي دون رعاية و إهتمام
إبتسامتها الساخرة كادت أن تفقده صوابه، هو لم يعتد علي تلك الباردة، القاسية، العنيدة، هو إعتاد علي أخري مطيعة.. هادئة... حنونة لأقصي الدرجات .. حتي أنه كان يظنها أحياناً أمه و ليست زوجته، قطعت تأمله ببرود :
- لا تقلق يا زوجي العزيز، أنا لن أترك أبنائي، و سأعمل من المنزل، ألم تسمع عن الأعمال التي يتم إدارتها من المنزل
... صمتت قليلاً لتتابع بسخرية أصابته بقسوة، و كسرت كبرياءه الذكوري :
- ثم منذ متي تهتم بأبنائك... ؟!، و منذ متي تكترث برعايتهم و الإهتمام بهم... ؟!، أنت كنت تمضي أيام دون أن تراهم أو تسمع أصواتهم و عندما تعود لا تفكر حتي بالإطمئنان عليهم، فلا تحاول أن تجعل نفسك أباً مثالياً الأن.
... صمت بخذلان و هو يدري صحة حديثها، ربما سابقاً كانت تلتمس له عذر الغياب، كانت تنوب عنه بالغياب لإنشغاله بالعمل، و ليس إنشغاله بأسرة أخري، و زوجة و أبناء أخرين، أخذوا من وقته و حبه و إهتمامه، أما " هبة " و أبنائها فلم يكونوا يوما بذات الأهمية، إنتهي الحوار لتنتهي العلاقة بإنتهائه، هل سمعت يوماً عن علاقة تنتهي و تظل قائمة، أن يكونوا زوجين لأجل الأبناء، و ليس لأي دافع أخر، لم تُرد لأبنائها أن يكرهوا أباهم، لم تُرد خلق مرضي نفسيين، فأثرت عذابها و ألمها لإسعادهم، كعادة أن بكل مرة تُختبر لأجل أبنائها، و بكل مرة تحطم القواعد و القوانين و أي شيء لأجلهم فقط، من تحتمل مشقة الحمل، و تعب الولادة، و تسخير حياتها لأبنائها، يمكنها أيضًا أن تتخلي عن سعادتها و كرامتها، تضع كبريائها بأقرب صندوق للقمامة، فقط لكونها الأم فهي تفعل كل ذلك، دون أي تفكير.