"" الفصل الأول ""
... لا يوجد بالحياة موقف أسوء من أن يدفع الجميع ثمن أخطاء لم يقترفوها، أخطاء للعادات و التقاليد؛ و التربية الغير صحية، لتخلق لنا أجيالاً غير سوية، يري الرجل نفسه مترفعاً عن الأخطاء، و يخيل له أن الكل مخطئون عداه هو، و أقبح ما يمكن أن يحدث أن يفسر الشرع بطريقة غير صحيحة؛ حسب هواه، لكي يحقق رغباته، و يشبع شهوته دون إكتراث لمشاعر الأطراف الأخري، و يأخذ قوامته علي أنها تشريفاً و ليست تكليفاً...
.... تمر الأيام سريعاً دون أن نشعر بها، و تتحول لأسابيع و أشهر، و تأخذ سني العمر مجراها دون أي تحذير مسبق، حتي نجد أنفسنا قد أصابنا العجز و الشيخ؛ ليس العجز أن يتحول لون الشعر للأبيض و إنما تصبح روحنا مثقلة بأحمال فوق طاقتها، و يشيخ القلب، و تجف مشاعره و تتهدم معتقداته، ليصبح خاوياً، كبيت لم يسكنه أحد منذ قرون ليصبح وهناً كأبيات العنكبوت، و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت...
... لم تكد تصدق بأن كل ذلك الوقت قد مر سريعاً، و مضي علي ذكري زواجها الأولي إثني عشر عاماً من السعادة و الحزن، الفرح و الألم، الروتين و التجديد بالحياة، نضج الأطفال، ليصبح اكبر الأبناء ذا أحد عشر عاماً، لا يمكن لأحد أن ينكر تفانيها بتربية الأبناء، كانت أمنية حياتها أن تحصل علي فتاة تشاركها خبراتها بالحياة، لكن قدرها فرض عليها أن تُرزق بثلاثة من الأبناء الذكور، بالإضافة إلي زوجها، فأصبحت تعيش بمنزل ذكوري بحت، حتي أصبحت تشعر بالاختناق من طلباتهم التي لا تنتهي خاصةً و هم يعاملوها كالخادمة، ليس إقلالاً من شأنها، و إنما كونها الأم و الزوجة، فلا تستطيع الرفض، كما أنها لم تتذمر علي ذلك الأمر أبداً و إنما كانت تفعله بطيب خاطر، و نفس راضية، إستعدت للإحتفال بذكري زواجها، فجهزت كل شئ، و أرسلت أبنائها إلي والدتها، لكي تحصل علي بعض الإختلاء بزوجها، ربما لم تتزوجه بعد قصة حب طويلة، أو ربما كان زواجاً تقليدياً، لكنها متأكدة من كونها تعشقه، و متأكدة أيضاً من كونه لا يبادلها أياً من تلك المشاعر، و هو أخبرها بأن زواجه منها تقليدياً لأبعد الحدود و بلا مشاعر و لكن بوجود الإحترام و حُسن المعاملة، و إبقاء الود قائماً، لم تنسي عندما جاء إليها للمرة الأولي بصحبة والدته و أخيه ليتقدم لها، و أخبرها بأنه لا يكن لها أي مشاعر، " محمد" المعني الحي للرجولة بنظرها، علاقتهما قائمة علي الصدق و الإحترام و التفاهم بهدوء، فلم يسبق لهما أن يخرج ما يحدث بينهما لأي شخص آخر حتي و إن كان من المقربين، دائماً ما يحدث بينهما داخل نطاق غرفتهما و لا يتعدي تلك الحدود، شرط وضع من قبل زواجهما و هما الإثنان إلتزاما بتنفيذه، فأصبحت الحياة بينهما سهلة يسيره، علاقتهما لينة، سهلة، لا تحوي الكثير من التعقيدات الغير مفهومة...
... حضرت كل شئ، و ذهبت لكي تهتم بنفسها، عند مصففة الشعر، و كعادة الإناث عندما يجتمعن فلا يخلو إجتماعهن من الثرثرة المعتادة، و التحدث عن أسعار الخضر و الفاكهة، و مشاكل المنزل، أحدث صيحات ملابس الأطفال، و التباهي بأزوجهم، لكنها لم تنخرط مع ما يحدث حولها، حتي بادلتها المرآة التي تهتم بخصلاتها بشغف لما تفعل قائلة بود:
- ما بكِ يا آمرأة..؟! لما أنتِ صامتة هكذا...؟
- لا شئ و إنما ذهني منشغل قليلاً بأمور المنزل...
قالتها ببسمة بسيطة، فتابعت الأخري التي تكاد تجزم بأن عمرها لا يتعدي الأربعون ربيعاً :
- حسناً، ما رأيك أن تخبريني بما يشغل بالكِ علني أستطيع مساعدتكِ...؟!
- لا شئ، إنما هي ذكري زواجي الثانية عشرة، و أفكر برد فعل زوجي عندما يري مفاجأتي له، فهو كان صباحاً لا يبدو أنه يتذكر أي شئ...
قالتها بشرود قليلاً، لتتابع الأخري و فضولها يتغلب عليها لمعرفة هذه الفتاة التي تبدو ذا ملامح مألوفة لها:
- و ما إسم زوجك عزيزتي...؟! علني أعرفه أو ربما سمعت عنه، فأنا لدي من العلاقات الكثير و الكثير بفضل عملي...
- إسمه " محمد عبدالرحمن الزيني "
قالتها بتباهي شديد، و ثقة تصل حد الغرور، فأغفلت الأخري التي أسقطت ما بيدها و إنتفضت فزعاً، فتابعت :
- إذاً هل تعرفين زوجي...؟!
- لا... لا أعرفه، و لم يسبق لي أن سمعت بهذا الإسم..
أنهت عملها بسرعة، و هي ترتعش بقوة، حتي أنها لفتت إنتباهها ليدها التي ترتعش فوق رأسها، فسألتها بقلق:
- هل أنتي بخير...؟!
- نعم... أنا... أنا بخير، و لكن مجهدة قليلاً، سأذهب لأجد من يهتم بك و أرتاح قليلاً، أعذريني...
تركتها و ذهبت مسرعة دون أن تعطيها فرصة الرد، لتأتي فتاة اخري لتكمل عنها، فسألت بفضول أنثوي:
- من تلك التي كانت تصفف شعري...؟!
- إنها السيدة " منه " مالكة المكان، و للحق إنها سيدة نبيلة للغاية، كما أن زوجها شخص بالغ الإحترام....
ظلت الفتاة تثرثر كثيراً دون أن تنتبه لكل تلك الأشياء التي ذكرتها عن سيدتها؛ و زوجها و كذلك بناتها، لتخبرها بأدق تفاصيل حياتها، حتي أنهت عملها، لتتركها و ترحل
... عادت من شرودها و هي تتذكر كل ما حدث، دون أن تفهم ما سبب ذعر " منه" منها عندما سمعت إسم زوجها، قاطع شرودها صوت قفل الباب يفتح، سارعت للذهاب لإستقبال زوجها، دلف إلي الشقة متمتماً السلام، لترد عليه ببسمة جميلة، لم يرفع عينيه إليها فهو كان شارداً بعالم أخر، قاطعته بنبرة متلهفة:
- هل أحضر طعام العشاء...؟!
- لا داعي لذلك" هبة " فأنا لا أرغب بتناول أي شئ، لا أرغب بشئ سوي تبديل ثيابي و الخلود للنوم
أومأت له بطاعة، لتكمل حديثها:
- حسناً سأذهب لأحضر لك ثيابك، فأنت يبدو عليك التعب
تركته و ذهبت ليرتفع صوت رنين هاتفه، رد بهدوء:
- نعم عزيزتي، لقد وصلت منذ قليل و....
قاطعه صوت تهشم قوي، إنتفض من مجلسه ليري زوجته تناظره بأعين لامعة بدموع الخذلان، و وجه شاحب من أثر صدمة الخيانة، خرج صوتها الذي يمزق نياط القلب المخذول:
- مع مَن كنت تتحدث... ؟!
ربما الموت سيكون أهون بتلك اللحظة المميتة من سمع الإجابة، هل جربت من قبل أن تسأل عن شئ موقن بعلمك بإجابته، لكن عقلك لا يستوعب ما توصل إليه، تسأله لكي توقن بأن ما يحدث حقيقة و يقيناً، ليس خيالاً و وهماً، قاطع الصمت الذي إجتاح المكان بنبرة جليدية، خالية من أي شفقة أو رحمة:
- إنها زوجتي.....
لم تنطق فلا يوجد قول قد يصف ما تشعر به، و لا أي شئ قد يعبر عن شعور أنثي جاءها خبر زواج زوجها، فلا يوجد شئ قد يتملكها سوي الخواء، و شعور موجع من الفقد، كأنها فقدت العزيز و الغالي... نعم لقد فقدت قطعة من روحها، و للحظة سيبدو و كأن قلبها توقف عن الخفقان، إستطاعت أخيراً أن تنطق بسؤال بسيط:
- كيف فعلتها... ؟!
لم يمتلك شجاعة الرد، فأثر الصمت، تابعت بأعين لامعة بدموع القهر:
- فقط أخبرني لما فعلتها..؟! هل قصرت بحقك يوماً..؟! هل حدث يوم أنني لم أكن زوجة جيدة لك..؟! ما هو عيبي الذي تزوجت بأخري بسببه..؟! كيف طاوعك قلبك أن تحضر لي زوجة ثانية...؟! هل أنا بهذا السوء لكي تفعلها بي...؟!
- لما تضعين نفسك بخانة المظلومة، و بأنني قد ظلمتك...؟!
قالها بنبرة باردة جمدت قلبها بقسوة، و غلفها بشعور من القهر و الخذلان، عن عمر ضاع هباءًا منثوراً، بجوار زوج أناني، غير مبالي بمشاعرها:
- هذا هو حقي الشرعي " مثني و ثلاث و رباع "
قالها بتباهٍ ذكوري شديد، صاحت به هادرة ک لبوة تدافع عن نفسها بشراسة:
- و من حقي أن أعلم و أختار إن كنت سأقبل بهذا الوضع أم لا....؟!!
- ليس من حقك شئ " فالرجال قوامون علي النساء "
صمتت للحظة تتعرف علي الواقف أمامها، كأنها غريب عنها، لوهلة شعرت بأنها لا تعرفه، و بأنه ليس زوجها الهادئ الرزين، ذا الأخلاق الحسنة، لقد إتخذ قوامته رخصة لما فعل، ربما أخطأ بفهم ماهية القوامة، أوليست القوامة تكليفاً للرجل و ليست تشريفاً..؟! ألم توضع القوامة لإعطاء الرجل الحق بإتخاذ القرارات بأعصب الظروف التي يضع بها قرار العقل نصب عينيه، أما الأنثي فهي تستمع لصوت القلب... فقط القلب، أوليست القوامة معناها بأن الرجل مكلفاً بالعمل لكسب المال، مكلفا بتوفير الحماية و الأمان لعائلته، إذاً متي كانت تشريفاً له..؟! متي أصبحت رخصته تلك التي أعطاها الله له لحماية عائلته وسيلة للظلم و الإستبداد... ؟!
- أنا لن أقبل أن يكون لك زوجة ثانية، و إن لم تنفذ ما أريد فأطلق سراحي، و طلقني.
- كما تشائين، لكن لكي يتبادر لذهنك بأنكِ الزوجة الثانية، و ليست هي...!!
قالها بشماتة شديدة، ليشحب وجهها و تتسع أعينها، إرتفع صوت خفقان القلب بدقاته حتي صم أذانها...