يعتبر الشعور بالخوف من الصفات البشرية الثابتة، حيث يعرف الخوف اصطلاحياً بأنه توقّع حدوث المكروه، فيخاف الإنسان من الفقر ويخاف المرض ويخاف المصائب، وذلك لقول الله تعالى في سورة المعارج: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [المعارج:19ـ21]، إلا الإنسان المؤمن بحق وصدق ينتقل عند اتصاله بالله تعالى، من حالة الخوف هذه إلى الخوف من الله وحده فقط، فلولا الخوف من الله عزّ وجلّ ما تاب عبد لله، ولما خضع أحد، فالخوف من الله تعالى سبب للوصول إلى السعادة في الدنيا والآخرة. كيف أخاف من الله الخوف من الله عزّ وجلّ خوف رجاء ورحمةً على العبد أن يلتزم به، وأن لا يأمن مكر الله أو يقنط من رحمته، فكما أنّ من صفات الله تعالى أنّه رحمن غفور، فهو عزيز شديد الانتقام، فمن يفقد خوف الله من قلبه، سيخوض في المعاصي وتتحكّم به الشهوات التي توقعه في الشبهات والحرام وارتكاب الكبائر، ويمكن تحقيق الخوف من الله تعالى من خلال الخوف من عقوبة الذنوب والمعاصي، والخوف من مكره ومن عذاب النار.
.
.
.
.
.
.
.
.
يعدّ اتّباع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بما جاء به إحدى الطرق المعينة على حبّ الله -تعالى- والتقرّب منه، واتّباع الرسول يكون في كلّ ما فعله -صلّى الله عليه وسلّم- وقاله، وقد ورد ذلك في قوله -تعالى- على لسان النبيّ -عليه السلام-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)،[٢] فاتّباع الرسول -عليه السلام- سبب عام للتقرب إلى الله -تعالى-، كما أنّ كل العبادات من شأنها أن تقرّب العبد من الله -تعالى-؛ كالصلاة، والحج، والإنفاق في سبيله وغيرها، والقيام بالفرائض بالطريقة الصحيحة يكون على رأس تلك العبادات؛ لقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ).[٣][٤] وقد كلّف الله -تعالى- عباده بالتوبة والرجوع إليه؛ حال ارتكابهم المعاصي؛ ليقرّبهم منه -سبحانه وتعالى-، كما كلّفهم بالاستقامة في فعل الطاعات والابتعاد عن الذنوب والمعاصي؛ ويمكن للعبد أن يتقرّب إلى الله -تعالى- بالنظر في كتب الترغيب والترهيب، والتمعّن في الآيات التي تنصّ على مصير الطائعين والعاصين في الآخرة، والآيات التي تتحدّث عن قرب الله -تعلاى- من عباده واطّلاعه عليهم، ومعاقبته لمن يخالف أمره منهم، ويحرص المسلم على الصحبة الصالحة التي تعينه على الخير والتقرّب من الله -عزّ وجلّ-، كما ويتحرّى المسلم أوقات الإجابة؛ فيدعو الله -تعالى- بالاستقامة، ولا يستسلم للشيطان حال تكرار الخطأ؛ وإنّما يستمر في التوبة، وقد وصف الله -تعالى- عباده المتّقين برجوعهم له فقال: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)،[٥] وقد وعدهم بالقبول والغفران؛ فقال: (كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُم سوءًا بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِن بَعدِهِ وَأَصلَحَ فَأَنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ).[٦][٧] ويعتبر كمال توحيد الله -تعالى- هو الأساس في كلّ ذلك، ويتحقق بعد الفرائض بأن يحرص المسلم على القيام بالنوافل من صلاة، وصيام، وذكر وتسبيح وكل ما فيه خير، وكل ذلك يساعد على التقرب من الله -تعالى-؛ لما ورد في الحديث القدسي الذي يرويه رسول الله عن الله -تبارك وتعالى- قال: (وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ)،[٨][٩] فالحديث يبيّن درجات التقرّب إلى الله -تعالى-؛ فالأولى هي القيام بالفرائض، والثانية هي أداء النوافل،[١٠] ومما يدلّ على محبة الله -تعالى- والقرب منه؛ كثرة ذكره في جميع الأحوال بالقلب واللسان؛ فكثرة الذكر تدلّ على عِظَمِ المحبّة.[١١] ويساعد التفكّر في أسماء الله الحسنى على التقرّب منه ومحبّته -تعالى-،[١٢] كما أنّ إيثار المسلم كل ما يحبّه الله -تعالى- على ما تحبّه نفسه وتهواه دليل على قربه من الله -تعالى-،[١٣] فيتمعّن المسلم فيما أحسن الله -تعالى- به إليه من النعم الظاهرة والباطنة، ويستسلم بين يديّ الله -تعالى- فيناجيه وينكسر له، ويتلو كلامه ويعظمّه،[١٤] ويمنع جوارحه من اقتراف المعاصي، أو الاقتراب من الشبهات التي من شأنها أن تضر بإيمانه أو تضعفه، وكل ذلك يقرّب العبد من الله -تعالى-.[١٥] مقام القرب وفضله تتعدّد مراتب القرب من الله -تعالى- وتختلف بحسب رتبة المقرّب، وأعظم ما يصله الإنسان من القربات؛ أن يكون مقرباً من الله -تعالى-، كما قال: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُولَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)،[١٦] فهؤلاء هم الخواصّ من عباد الله -تعالى-، وهم الذين ينالون مرتبة القرب الخاص، وقد وصف الله -تعالى- الملائكة بالقرب من باب التشريف لهم؛ فقال: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّـهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)،[١٧] كما وصف الأنبياء والرسل بذلك؛ فقال: (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)،[١٨]والمقصود في الآية أن الله -تعالى- يبشّر سيّدنا عيسى -عليه السلام- بالنبوّة، كما أنّ النبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- هو صاحب أعظم قربة وأسماها، وكل ما يأتي بعدها من القربات فهو دونها في المنزلة، أمّا فيما يتعلق بعباد الله -تعالى- المقرّبين؛ فهم الذين يقومون بعباداتهم على أكمل وجه ويقدّمون كل ما يستطيعون من جهد ليصلوا إلى تلك المرتبة، ويتنافسون فيها لينالوا شرفها، وكل من يصلها يحصل على مرتبة القرب من الله -تعالى-؛ فقد قال: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ).[١٩] وقد أخبر الله -تعالى- عباده الذين يتقرّبون منه، أنّ الذي يتقرّب إليه فهو -سبحانه- يتقرّب منه أضعاف، وهذه هي الغاية من تشريع الطاعات؛ فهي التي تقرّب العباد من خالقهم، وينالون بها جنّاته، كما أنّ ذكر العبد لربّه -تعالى- يوجب ذكر العبد عنده؛ فقد روى أبي هريرة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، أنه قال: يقولُ اللَّهُ تَعالَى: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)،[٢٠] وفي الحديث الشريف تنبيه إلى ضرورة حسن الظن بالله -تعالى-؛ فهو يتقبل عبادات العبد حتى لو كان مقصراً فيها؛ فحسن الظن بالله -تعالى- هو بحدّ ذاته عبادة، وينبغي أن يستشعر المسلم قرب الله -تعالى
أنت تقرأ
معلومات إسلامية قيمة
Fiksi Umumالخضوع لله -عزّ وجل-، والانقياد التامّ لأوامره، والاستسلامُ لله -عز وجل- برغبةٍ اختياريّة للفردِ وليس قسراً، فجوهرُ الإسلام هو الخضوعُ الاختياريّ للمسلم وبناءً عليه يكون الثوابُ والعقاب، كما أنّ الإسلامَ منهجٌ ربانيّ كامل أنزله الله على سيدنا محمّد...