تزوجتها !

99 6 0
                                    






لم تكن حريصة على أن تظهر وكأنها أجمل الجميلات .. لم تُخفِ الحقيقة بأطنان من الماكياج .. ولا المشدّات.. ولا الكعب العالي .. ولم تتعمد إلى كشف أكتافها ليُرى بياضها .. ولم تبالغ في المجوهرات ولا الاكسسوارات .. كانت متواضعة المظهر ..ولبست ما يكفي ليعرف الناس بأنها العروسة فقط .. لم تكن مهتمة لما سيقول الناس عنها .. كان في ملامحها سعادة غامرة لم أرها في وجه كثير من العرائس اللاتي يشبهن "باربي" !   رأيت في وجهها سعادة الحصول على ما أرادت لنفسها ؛ "الرجل المناسب" الذي ستعيش معه بقية حياتها .. وليس فستان العرس ولا الضيوف الذين ستنتهي أدوارهم بمجرد انتهاء  الحفلة!

لذلك تزوجتُها....!

" يا خائن.. تزوجتَ الخادمة ؟! ماذا أعجبك بها حتى فضلتها عليّ ؟! أيها الرجل الأحمق.. أيها الزوج الأعمى.. أنا الجميلة وهي الدميمة.. أنا الغنية وهي الفقيرة.. أنا بنت الأصول وهي من لا يعرف لها أصل ولا فصل.. أنا أم أولادك وهي مجرد خادمة.. !! لماذا تزوجتها ..؟! لماذا خنتني ؟! "

هكذا كان رد فعلها عندما عرفت بأنني تزوجتُ الخادمة...

عندما تزوجتُ أول مرة.. وذهبنا أنا وزوجتي لاستقدام خادمة.. لم تُخفِ زوجتي سرا بأنها تريد خادمة "غير جميلة" فالرجال ليس لهم أمان على حد تعبيرها ! فاختارت خادمة بالمواصفات التي تريدها .. ولم يمض وقت طويل في إتمام الإجراءات حتى أصبح "في بيتنا خادمة" ...
وقامت زوجتي رعاها الله بجدولة الأعمال المنزلية للخادمة بما يضمن نظافة وترتيب البيت باستمرار.. ومضت الأيام.. وسارت الحياة طبيعية في بيتنا كما هي في بيوت الكثيرين.. علاقة طيبة بين زوجين..وحملت زوجتي وأنجبت الأطفال ..

وبدأت العائلة تكبر والأطفال يكبرون ويدخلون المدارس...وبدأتُ ألتفت إلى أمور لم أكن أنتبه إليها في السابق!!

الخادمة هي من يوقظ أطفالي للمدرسة كل صباح.. وهي تحضّر طعامهم وتساعدهم في ملابسهم.. وحقيبة المدرسة أيضا..وزوجتي نائمة!

الخادمة هي من يحمل طفلي الرضيع ويعتني بنظافته وترتيبه.. وإن بكى .. أيضا الخادمة هي من يتكفل بإسكاته.. وزوجتي مشغولة على الهاتف مع صديقاتها وأقربائها...!

وإن مرض أحد أبنائي ذهبنا به للطبيب.. في قاعة الانتظار ينتقل ولدي بين حضني و حضن الخادمة أو بقربها وهي تواسيه وتحتضنه وتبتسم في وجهه.. بينما زوجتي مشغولة بالفيس بوك والواتس اب !!

زوجتي لا تساعد أبنائي في حل الواجبات المدرسية ولا الاستعداد للإمتحانات..!!  المدرسون الخصوصيون هم من يقومون بذلك..وكان هذا بناء على طلب زوجتي.. فهي لا تجيد فن تدريس الأطفال.. ولا تطيق صبرا على أداء تلك المهمة !! والخادمة لاتعرف قراءة وكتابة العربية.. فقط تحسن اللهجة المحكية.. وأنا أعود منهكا من العمل لا يسعني الوقت لتدريسهم..

بدأتُ أتساءل ..ماذا تقدّم زوجتي لأبنائي..؟! الخادمة تفعل كل شيء.. الطبخ ..تحضير المائدة.. التنظيف.. الجلي.. غسيل الملابس وكيها.. كل شيء.. كل شيء !!

وماذا عني أنا.. ؟
في الصباح أستيقظ وزوجتي في السرير لازالت نائمة.. الخادمة تحضر فطوري وفنجان قهوتي الصباحية..

وإذا عدت من العمل إما أن أجد زوجتي في الأسواق.. أو في المولات مع صديقاتها.. أو في البيت نائمة.. أو مستيقظة تشاهد المسلسلات والأفلام..

الخادمة هي من كان يحضر لي طعامي.. ويجهز ملابسي لكافة المناسبات..

حتى إذا غابت الخادمة عن البيت لأسابيع في بلدها الأصلي.. انقلب البيت دمارا.. لا نظافة ولا ترتيب.. زوجتي كثيرة الصراخ في وجه الأبناء.. تتذمر من طلباتهم..وأنا أصبح شخصا مهملا تماما .. عليّ أن أقضي احتياجاتي بنفسي.. وإن ساعدتني زوجتي.. منّت عليّ بجميلها.. حتى أضطر لاستقدام بعض الخادمات العاملات بنظام الساعة للسيطرة على الوضع..

أين زوجتي من حياتي ؟! زوجتي تكثر الشكوى من الملل والضجر.. ولِمَ لا ؟! فهي لا تقوم بأي عمل ذا قيمة.. بينما الخادمة تقوم بكل شيء وهي مبتهجة مسرورة..

ولذلك قررتْ زوجتى البحث عن وظيفة ل "قتل الوقت" .. ووجدَتْ الوظيفة.. فتراجعت الشكوى.. وأصبحت زوجتي أكثر ابتهاجا.. وأكثر تعبا.. ولم يعد لديها وقتا كثيرا للاسترخاء والتنزه... أما أنا والأبناء .. فلم يتغير شيء في حياتنا.. فقد كانت زوجتي هي الحاضر الغائب قبل الوظيفة وبعدها..
كل ما بقي من علاقتي معها هي العلاقة الزوجية الخاصة وبعض الكلمات الجميلة ..حبيبي.. حياتي..عمري..روحي..

أقولها بصراحة.. لم أعد أشعر بالحاجة لزوجتي في غير ذلك.. وبدأتُ أفكر في الزواج من الخادمة.. فهي تملك قلبا وعاطفة مثل كل النساء.. ولابد أنها تستطيع أن تغازلني إذا تزوجتها بكلمات جميلة.. هبيبي.. هياتي.. روهي.. أمري..!!!

وتزوجتُها....نعم تزوجت الخادمة التي أصبحت في حياتي وحياة أبنائي كل شيء.. وأصبحت في نظري أجمل النساء بحسن خلقها ومعاشرتها لنا...

غضبَتْ زوجتي الأولى.. وغادرت البيت..عائدة إلى بيت أبيها.. وأخذَتْ معها كل أبنائي... ثم طلقَت نفسها !

شعرتُ بغصّة وأبنائي يعيشون بعيدا عني.. حتى زوجتي الجديدة "الخادمة" كان الحزن أحيانا يملأ قلبها شوقا لأبنائي الذين ربتهم واعتنت بهم كأنهم أبناءها...

وبعد أسبوع.. كانت المفاجأة.. حينما طرق الباب.. وذهبتُ لأفتحه.. وإذا بأبنائي جميعا. يدخلون البيت.. يسلمون على أبيهم.. ثم يركضون نحو زوجتي الجديدة "الخادمة" ....... ألقوا أنفسهم في أحضانها يقبلونها... وهي تحتضنهم بكل حنان الأم وبفرح شديد...

قال ولدي الصغير: بابا .. اتفقنا مع ماما أن نزورها مرة كل أسبوع.. ونبقى معكم بقية الأيام.. فنحن نحب هذه الخادمة ولا نستطيع العيش بدونها..

فأسكَتَهُ شقيقه الأكبر وقال: لا تقل خادمة بعد اليوم ..بل قل خالتي...!




             دمتم بخير ♡

صفحاتُ كتابٍحيث تعيش القصص. اكتشف الآن