133

9 3 0
                                    

على منهاج النُّبُوَّة ١٣٣
أَبْلي وأَخْلِقي!

عندما ضاقتْ مكة على المُسلمين، واشتدَّ عليهم العذاب، أمرَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالهجرة إلى الحبشة علَّهم يجدون عند الغريب رأفةً لم يجدوها عند القريب، وكان النجاشي عند حُسن ظنِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم به، حيث قال عنه: اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد!
وكان ممن هاجرَ إلى الحبشة سعيد بن العاص وزوجته أُميمة بنت خلف الخزاعية وهناك رُزقا ببنتٍ أسمياها "أَمَة" ولكنها اشتهرت في كُتب السِّيَر بكنيتها فكان يُقال لها أم خالد وهي طفلة رضيعة.
وعاد الأبوان وابنتهما إلى المدينة بعد الهجرة في أول وفدٍ عادَ من المُهاجرين إلى الحبشةِ، ووَدَّعَهم النجاشي يومها وقال لهم: أقرِئوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مني السَّلام. وكانتْ أم خالد من الذين أبلغوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم سلام النجاشي رغم صِغر سنها!
وجاءُ سعيدُ بن العاص برفقةِ ابنته أم خالد لزيارةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكانتْ تلبسُ ثوباً جميلاً، فقال لها مُمازحاً كعادته مع الأطفال: سَنَهْ سَنَهْ وهي كلمة حبشية تعني جميلة!
فأمسكتْ أم خالد يده الشريفة وأخذتْ تلعبُ بخاتم النبوة وتُحركُه في إصبعه، فنهرها أبوها وزجرها لتتوقف، فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: دعها! ثم مسحَ بيده الشريفة على أم خالد وقال: أَبْلِي وأَخْلِقي، ثم أَبْلِي وأَخْلِقي، ثم أَبْلِي وأَخْلِقي!
وأَبْلِي وأَخْلِقي بمعنى إلبسي الثياب حتى تهترئ ثم جدديها، ويقابلها قولنا العامي لمن لبس ثوباً فندعو له: "تهري وتُجدد"، والمعنى دعاء بطول العمر، وعاشتْ أم خالد ببركةِ دعائِهِ أكثر من مئةٍ وعشرين سنة!

كلامُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع الطفلة أم خالد بالحبشية كانتْ من باب المُداعبة والمُلاطفة، حيث وُلِدتْ وترعرتْ هناك، وواضحٌ ما فيها من التحبُّب والتقرُّب، ولا يُستدل به على جواز ما يفعله أدعياء الثقافة والتبعية للغرب من قومها حيث يضعون كلمة إنكليزية أو فرنسية بين كل كلمتين عربيتين من بابِ التباهي، وهذا إن دلَّ فإنما يدُلُّ على انهزامٍ ثقافيٍّ، ونفسيةٍ تشعر بالدونية وتحاول بهذا أن ترحم دونيتها، وهي فوق هذا فيها نوع من التعالي خصوصاً إذا كان الكلام مع العوام!

ملاطفةُ الأطفالِ بابٌ من أبواب إكرام آبائهم، وانبساطُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأم خالد حتى تركَها تلعب بخاتمه، ورفضُ زجر أبيها لها، إنما هو رحمة بالطفلة وإكرام لأبيها، فإذا جاءكَ ضيف ومعه صغير لاطفه، اِطبعْ على رأسه قبلة، وقُلْ له كلمة حلوة، أَعطِه قطعة سكاكر، فهذا يُسعد الأب قبل أن يُسعد الطفل، وهو باب عظيم من أبواب التحبب بين الناس

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية

علي منهاج النبوة 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن