134

11 3 0
                                    

على منهاج النُّبُوَّة ١٣٤
إني لا أخيسُ بالعهد!

كان أبو رافعٍ قِبطياً يدين بالنصرانية، فأرسلَتْه قُريش موفداً منها إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبعض الأمورِ السياسيةِ التي كانتْ تجري بينهما قبل فتح مكة، فلما وصلَ أبو رافعٍ إلى المدينة المنورة، ورأى أخلاق النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأخلاق الصحابة، وعَرَفَ الإسلام عن قُرب، قرَّرَ أن يُسلم، فقال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا رسول الله، إني واللهِ لا أرجعُ إليهم أبداً!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إني لا أخيسُ/أُخلف بالعهد، ولا أحبسُ البُرْدَ/جميع بريد وهو الرسول والموفد، ولكن اِرجِعْ إليهم، فإن كان في نفسِك الذي في نفسِكَ الآن فارجعْ إليَّ!
فعاد أبو رافعٍ إلى مكة، وأبلغَ قُريشاً بردِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما أرسلته إليه، ثم عاد إلى المدينةِ فأسلم!

وكواليس الحديث كالتالي:
كانتْ الأعراف السياسية تقضي أن الرُّسل التي تكون بين الملوك المُتنازعين وبين القبائلِ المتناحرةِ أنها لا تُقتل ولا تُحبس مهما كان مضمون الرسالة، ولو حوى تهديداً من طرفٍ إلى طرفٍ، فما على الرسولِ إلا البلاغ! وعندما أراد أبو رافعٍ أن يُسلمَ، وأن لا يرجع إلى قُريش، وهو بالأساس قد جاءَ رسولاً منها إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، رفضَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذا الأمر، لأنه يخرق الأعراف الدبلوماسية، والعادات الحميدة التي تعارفَ عليها الناس، وقد خشيَ أن تقولَ قُريش أنه قد حبسَ موفدها إليه فتُؤخذُ عليه بين العرب غدرةً رغم أن أبا رافعٍ اختارَ الإسلام والمكوث رغبةً منه واقتناعاً، فأمرَه أن يرجعَ إلى قُريش بالأمرِ الذي جاء به، فإن بقيَ راغباً في الإسلام عادَ إلى المدينة المنورة وأسلم، وهذا الذي كان!

أمرَ الله سُبحانه المسلم أن يفيَ بالعهد الذي يتعهَّدُ به فقال: "وأوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسؤولاً"! وعلَّمنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ من آيات المُنافق أنه إذا وعدَ أخلف!

ورغم أن قُريشاً كانتْ على الشِّرك إلا أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يخلفْ عهده معها، لذلك إنَّ العهد يجب أن يُراعى مع الكافر كما يُراعى مع المسلم!
لذلك أوفِ بعهدك، وكُن على قدرِ كلمتك، فإن النبلاء تربطُهُم ألسنتهم لا العقود التي يُوقعونها فقط، وقد أخبرنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن الله تعالى يكره الغدر والغادرين فقال: "لكل غادرٍ لواء يوم القيامة، يُقال: هذه غدرة فلان"!
لواء أي علامة يشتهر بها في الناس، وكان من عادة العرب في الجاهلية أنها تَنصُبُ للغادر لواءً في الأسواق والمحافل للتشهير به!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية

علي منهاج النبوة 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن