قصة قصيرة "لبنان النازف"

8 0 0
                                    

لبنان النازف

طويت سجادة صلاتي، وقمت لإعداد الإفطار لزوجي، قبل إيقاظه، للذهاب لعمله، كانت حركاتي متثاقلة بسبب ثقل حملي فقد كنت في شهري الثامن.
"صباح الخير أمي" ، قالهاولدي ذو الخمس سنوات، وأردف، "ألم يحن الوقت للذهاب للروضة، فقد اشتقت إلى معلمتي وأصدقائي"؟، فأجبته:" ليس بعد يا بني، لا زال وباء كورونا ينتشر، هيا اذهب للعب حتى يستيقظ أبوك ونتناول الإفطار سويا".
يا إلهي متى ينتهي هذا الوباء، فقد تعذر حتى خروجي لمتابعةحملي مع طبيبتي بسبب الوباء، وأصبحت أتابع  حالتي معها  من المنزل عبر الإنترنت، حفاظا على من  العدوي وعلى أسرتي، أما زوجي فلا يستطيع الغياب عن  وظيفته، فهو يذهب يوميا مع أخذ إجراءات السلامة.
قطع حبل أفكاري صوت زوجي قائلا" صباح الخير حبيبتي، أين هدية الصباح"، فابتسمت له، فهذه هديته الصباحية، وقلت له" أنت هديتي من ربي".
بعد ذهاب زوجي الي عمله، شردت أفكاري في والدي، وأخي، وأختي، الذين فقدتهم وأنا صغيرة في أحد الانفجارات ، التي لم تنقطع عن بلدي الحبيب لبنان،وتربيت في بيت عمي، وتزوجت ولده، واأسفا على وطني لبنان، الذي مزقته الكراهية والعصبية، فهذا مسلم سني، وذاك مسلم شيعي، وهؤلاء حزب الله، وأولئك حزب الشيطان، وفوق كل هذاوذاك، العدو الأكبر، أظن أنكم تفهمون مقصدي، ماذا سيخسر كل هؤلاء لو عاشوا في سلام ومحبة، بمبدأ لكم دينكم ولي دين،وكما قال الشاعر، "ديني لنفسي، ودين الناس للناس، ألن يشرق  الأمن، والأمان بكل بلاد العالم، وليس لبنان فقط؟، لكنها الطبيعة البشرية المتعصبة، كل يتعصب لفكره معتقدا، أنه الأفضل، وأنه عين من قبل الرب، لإدخال من يخالفه النار، وإهداءمن يوافقه جنان الخلد، لم يكن ينقصنا بعد كل تلك الحروب، والنزاعات الداخلية، التي شردت الكثيرين، سوي هذا الوباء الذي اجتاح العالم بأسره، لم يفرق بين مسلم وكافر، ولا سني أو شيعي، ولا مسيحي أو يهودي، ولا صغير أو كبير، رحمتك يا الله.
بقى خمس دقائق لكي تدق الساعة معلنة، السادسة مساء، تركت ولدي يشاهد التلفاز، وخرجت للشرفة أنظر عودة زوجي الحبيب، ها هو ترجل من سيارته، مبتسما الي كعادته اليومية، وقطع هذه الوصلة من الابتسامات صوتا مدويا، معترضا على سعادتنا، قاتلا لما تبقى من أمل في حياة ملؤها الحب والسلام.
أفقت من اغماءتي إثر الانفجار، على بكاء ولدي مذعورامتشبثا بي ، حاولت أن أستند بيدي للنهوض، فهالني تلك الدماء، تنبؤني ان الفقد عنواني، والحزن على أحبتي ووطني مرافقي.
فقدت ابنتي التي لم تأت للدنيا بعد، يبدو أنها لم ترغب بالمجئ لهكذا عالم، تذكرت زوجي، كان آخر شيء رأيته تطايره في الهواء .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 13, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

لبنان النازف حيث تعيش القصص. اكتشف الآن