لازلت أذكر يومها حين أفقت على صوت أشبه بالمتفجرات كما هيئ لي آنذاك. لازالت أشعة الضوء المنعكسة على الجدار راسخة في ذهني فقد طبعت على الحائط رسمة لنافذة زجاجية ضخمة ليزال الستار لحظتها عن ظلمة أول ليلة لي بمفردي لتصبح الرؤيا بالنسبة لي شبه ممكنة و لو لا تلك الأصوات التي شبهها عقلي برشق الحجارة على النافذة لما قفزت من مكاني كالتائه من شدة الخوف، و إذا بي أجد نفسي أمام نافذة زجاجية تطل على الفضاء الخارجي، ألقيت بناظري عبرها و أنا أحدق في فراغ تام، لم أرى أية نيران ناتجة عن التفجير أو أي شيء يوحي على ذلك، فجأة استقرت عيناي على سماء مدينتنا الزرقاء و التي لم تعد كذلك بفعل وميض من الضوء، تلاه صوت صعقات قوية، حينها أدركت أنه صوت الرعد لا غير، أما الأمطار فكانت تتساقط بشكل غير معتاد تكاد تكسر أي زجاج تصادفه. تسللت إلى شفاهي ابتسامة يغلبها النعاس ثم عدت أدراجي نحو السرير لأستسلم للنوم من جديد إلا أن صوت خطوات الأقدام القادمة من الممر قاطعت نومي، اتسعت عيناي عن آخرها حينما شعرت أنه ثمة شخص ما في المنزل، أحد ما يقترب من غرفتي ... يحاول إدارة قفل الباب! ... ما الذي يجري؟... قفزت للتو بعيدا خارج المنزل ... لكن بيت من هذا الذي أطرق بابه الآن، أشعر أنها ليست المرة الأولى لي ... امرأة عجوز تقف خلف الباب تحدق في كما لو ارتكبت جرما في حقها، بدا على ملامحها الضيق مما حدث، إلا أن قسمات وجهها الشاحب ذاك أفزعني، لم تمر سوى بضع ثوان حتى تمتمت ببضع كلمات أشعرتني بدوار شديد أفقدني توازني، كاد يطيح بي أرضا لولا تمالكي لنفسي، فجأة أحسست بثقل في جسدي كل أطرافي تخدرت لا أدري هل من قساوة البرد أم شدة الخوف أم ...، لم أعد أستطيع ... التفكير... و انقطعت كل الأصوات.
رأسي يؤلمني و أشعة الشمس هته تزيد من ألمي، صحوت على صوت جد عال يكاد يخترق دماغي لأجد أمي توبخني على شيء لم أرتكبه، كل ما جال في ذهني تلك اللحظة هو المرأة العجوز و الشخص الذي اقتحم المنزل، استفسرت أمي حول الموضوع إلا أنها نفت كل ما ذكرته ثم أردفت قائلة " أرى أن المبيت بمفردك قد أثر على دماغك". كنت لأصدق كلامها لولا ملابسي المبتلة و صداع رأسي العجيب ذاك. بعد وجبة الفطور مباشرة حملت معطفي واتجهت خارجا أبحث عن أي أثر يقودني نحو المكان الذي عبرت منه ليلة أمس و رغم أني أمضيت نصف النهار و أنا أسأل كل من أصادفه أمامي إلا أني لم أجد أي شيء يطابق أقوالي غير سخرية الناس مني. عدت للمنزل ثم استسلمت للأمر إلا أن كل ما حدث لا زال محفورا بذاكرتي.