Fufu-19
يا بني آدم اهربوا من الدنيا إلى الله، وأخرجوا قلوبكم عنها، فإنكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم، ولا تبقون فيها ولا تبقى لكم، هي الخداعة الفجاعة، المغرور من اغتر بها، المغبون من اطمأن اليها، الهالك من أحبها وأرادها، فتوبوا إلى الله بارئكم، واتقوا ربكم، واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً، أين آباؤكم؟ أين أمهاتكم؟ أين إخوتكم؟ أين أخواتكم؟ أين أولادكم؟ دعوا فأجابوا، واستودعوا الثرى، وجاوروا الموتى، وصاروا في الهلكى، وخرجوا عن الدنيا، وفارقوا الأحبة، واحتاجوا إلى ما قدموا واستغنوا عما خلفوا، فكم توعظون وكم تزجرون، وأنتم لاهون ساهون، مثلكم في الدنيا مثل البهائم همتكم بطونكم وفروجكم، أما تستحيون ممن خلقكم، وقد أوعد من عصاه النار، ولستم ممن يقوى على النار؟ ووعد من أطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الأعلى، فتنافسوا فيه، وكونوا من أهله، وأنصفوا من أنفسكم، وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم، وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، وكونوا عبيداً أبراراً، ولا تكونوا ملوكاً جبابرة، ولا من العتاة الفراعنة المتمردين على من قهرهم بالموت، جبار الجبابرة رب السماوات ورب الأرضين، وإله الأولين والآخرين، مالك يوم الدين، شديد العقاب، أليم العذاب، لا ينجو منه ظالم، ولا يفوته شيء، ولا يعزب عنه شيء، ولا يتوارى منه شيء، أحصى كل شيء علمه وأنزله منزلته في جنة أو نار. عيسى يعظ أصحابه ابن آدم الضعيف! أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفي كل حال من حالاتك؟ قد أبلغ من وعظ، وأفلح من اتعظ.