ومن جمال القرآن أنه لا يعاتبك حين تأتيه، لا يسألك من أنت، ولا يطلب منك إبراز بطاقة هويتك، ولا يستفسر عن تاريخك في رقة القلب، ولا يشك في نيتك حين تُقبل عليه، راحتاه رقيقتان لا تُخجلان من أتاه مصافحا، صفحاته رقيقة لا تقسو على من أتاه يريد الراحة، لا يريد منك تبرير غيابك ولا يحب أن يسمع منك اعتذارًا، يقول لك أقبِل وارتوِ، ويكفيني أنك عرفتَ كيف يكون الري من بعد الظمأ.
القرآن صديقٌ من مرتبة أرقى، قلبه أبيض من حامليه، وكلامه أرق من المتحدثين به، متى جئتَه وجدته، ومتى تركتَه ناداك، ومتى تجاهلته قال: لا عليك، لك حق العودة، ومتى عدت إليه احتضنَك بالمعنى الذي تحتاج إليه في التو واللحظة؛ إن كنت خائفًا تأمن، وإن كنت مصابًا تلتئم، وإن كنتَ فاقدًا يُغنيك.
ووالله على ما فيَّ مما يستره الله عليًّ، ما أتيتُ القرآن ذليلًا ذات ليلةٍ إلا أعزني، وما أتيته شاكيًا إلا سمعني، وما أتيتُه فاقدًا القدرة على البوحِ إلا صارحَني بما أخفيتُه في نفسي، وقال: يا ولد، اخلع نعليك إنك بالوادِ المقدس، أقبل ولا تخف. اقرأ حتى تدفأ، أنا القرآنُ لا القارئ،
أنا الرسالة لا حاملها، أنا البريد الأسرعُ إليك من الساعي.