تركت الوطن لما شعرت بالغربة داخله، الآن أشعر بالألفة مع كل شيء إلا الناس، لازلت غريبا عنهم.

أقدم نفسي لهم كسكندري، ابن المدينة الأهم في آخر ثلاثة قرون قبل الميلاد، كهذا أمهد لمساحة مشتركة من أول لحظة، فكثير ممن ألاقيهم أبناء البحر المتوسط.

ثم أخبرهم أني مصري، كلما سأل أحدهم عن أصل شيء أخبرته أنه مصري، الإله الواحد أصله مصر، عيد الفصح أصله مصري، بل أني أجزم أن أسلافك الهوموسيبيانس اقامو ألف سنة في مصر قبل أن ينتشرو في أوروبا و آسيا.
...

قرأت و أنا في السابعة قصص مصورة لم تكن متاحة لأقراني مثل لاكي لوك و تان تان ، بجوار ميكي و سمير و غيرها المتاحة لأقراني ، ثم استغل أبي نهمي للقراءة ففتح أمامي أسوار مكتبته العملاقة بشرط ،أن أقرأ الأيام لطه حسين ، فقرأت مغصوبا لأجل أن تصل يدي لأعلى الرفوف التي أحتاج لكرسي السفرة لأصلها.
ثم قرأت موسوعات علمية مبسطة عن كل شيء حتى صرت طفلا لايمكن لأقرانه الحديث معه ! ثم التهمني عالم يوسف ادريس ، فقرأت مجموعته الكاملة قبل أن أبلغ الحلم ، ثم انتشلني يوسف السباعي فأحسست أن عالمه مضيئ متفائل ، أذكر حين وجدتني سيدة أقرأ ليوسف السباعي بينما يلهو أقارني و يتنافسون على الفتيات ، فسألتني كيف تجده ، فقلت مرحاً فتبسمت متعجبةً فقلت لها لو أتتمت لتوك كل ما كتب يوسف ادريس لفهمت ما أقول.
ثم بدأت أقرأ للمعاصرين ، و استغربت لما كانت انطباعاتي عنهم مخالفة لانطباعات جيلي ، فلم يستطع أحد منهم أن يسحبني لعالم مميز من الحكي و الأوصاف كما فعل يوسف إدريس.

بدأت الآن اعادة اكتشاف نجيب محفوظ و احسان عبد القدوس ، بقراءة قصصهم القديم الأقل شهرة و حظا ، و استكشف مواطن الضعف فيه ثم أنظر في أعظم قصصهم و أرى كيف تلافوا تلك الأخطاء.
...

الآن أحاول أن أكتب كل يوم ، لا يهم مقالة أو قصة أو خاطرة أوي حتى قصة شبقة كما كان فتى المراهقة يكتب ، و لم يعد لدي جمهور إلا زوجتي و صديق قريب لقلبي ، المهم أن أعتاد الكتابة لا يهم أن يقرأ لي أحد ، و سأكافئ نفسي يوما بنشر ما أكتب بشكل محترف.