ixjwxc
دقَّتِ السَّاعةُ الثانيةَ عَشْرَةَ، يهمسُ صَدَاها في أرجاءِ الليلِ كأنَّها تُعلِنُ للكونِ بدايةَ عامٍ جديدٍ، بينما في داخلي يحتضرُ الزَّمنُ. أبحثُ بينَ ظلالِ هذا الليلِ عن خاتمةٍ للحُزنِ، عن وميضٍ يُبدِّدُ عَتْمَةَ الخيباتِ التي استوطنتْ قلبي. جلستُ في شرفتي، تحتَ قُبَّةِ السَّماءِ الساكنةِ، حيثُ السَّاعةُ الرابعةُ تُثقِلُ الهواءَ بسكينتِها. بينَ شَفَتَيَّ سِيجارةٌ تَحترِقُ ببطءٍ، كما يَحترِقُ في داخلي كلُّ ما تبقَّى مني، ودُخَانُها يَملأ أَنْفِي برائحةِ الوجعِ. البَرْدُ يَلتَهِمُ أطرافِي بِنَهَمٍ، والليلُ يُلقي بثِقلِهِ على كتفيَّ، بينما أَرتشفُ شرابي الذي يَسْرِي في حَلْقِي كالجَمْرِ، يُحرِقُ بَرْدًا متكلِّسًا في أعماقي. أُمدُّ يدي في العَدَمِ، كالغَريقِ الذي يَبحَثُ في مَحيطٍ هائجٍ عن خَشَبَةٍ قد تُنقِذُهُ. أمدُّها نحوَ ذِكراكَ، نحوَ دفءِ كانَ يومًا كلَّ عالمي. أكتُبُ إليكَ... لا لأنَّ الكتابةَ تُريحُني، بل لأنَّني لا أملكُ سوى الحرفِ وسيلةً للبقاءِ. حُبُّكَ يَنهَشُني كجوعٍ سرمديٍّ، يَجتاحُني كالنهرِ في مواسمِ الفيضانِ. أنتَ... يا مَن كنتَ مَلاذِي الوحيدَ في صقيعِ هذا العالمِ، يا مَن أكتبُ إليه كلماتٍ أَثقَلَها الحنينُ، وأدمُعٌ تأبَى أن تَجِفَّ. دَمْعِي يُطفِئُ نارَ سِيجارَتِي، كأنَّهُ يُريدُ أن يقولَ لي: كَفَى. لكنَّني أكتُبُ رغمَ كلِّ شيءٍ، أكتُبُ لأنَّني لا أعرِفُ كيفَ أتوقَّفُ، لأنَّكَ تَسْكُنُنِي بكلِّ تفاصيلِكَ، لأنَّ يَدَكَ الغائبةَ هي كلُّ ما أحتاجُهُ الآنَ لأُكملَ هذا الليلَ الطويلَ.