“قلب الرجل مثير للأسى،،إنه مثير للأسى يا مريم،،إنه ليس كرحم الأم،،إنه لا ينزف الدم،، لن يتوسع ليصنع لك منزلا،،!”
― Khaled Hosseini, A Thousand Splendid Suns
“قلب الرجل مثير للأسى،،إنه مثير للأسى يا مريم،،إنه ليس كرحم الأم،،إنه لا ينزف الدم،، لن يتوسع ليصنع لك منزلا،،!”
― Khaled Hosseini, A Thousand Splendid Suns
من الاِقتباسات التِّي تُنسب بشكل خاطئٍ لفيرجينيَا وُولف: "لا يمكنك أن تجد السَّلام عن طريق تجنُب الحياة"، وكم يبدو هذا الاقتطاف مثيرا للسخرية حين تعلم أن الكاتبة قد انتحرت بعد أن أغرقت نفسها لأنو إن لم تكن قادرا على إيجاد السلام بالعيش ربما ستجده في الموتِ .كان الماء فكرة متكررة في أعمال هذه الشاعرة الأمريكية بروايتها الأمواج، والعديد من الدواوين الشعرية، " أنا متجذرٌ لكنني أتدفق." عبارة ورد ذكرها في رواية كل الأماكن المشرقةِ - لجينيفر نيفين - على لسان فينش، بطلنا كان لسبب ما مولعًا بالماء، وعلى مدار السُّطور تكرر ذكر إحصائيات عشوائية عن حالات الإنتحار غرقًا وعن الأرقام القياسية لحبس الأنْفاس. قرأت الكتاب ليلًا ورغم أن نهايته كانت قد ظهرت ملامحها منذ البوادر الأولى للقصة إلا أن انتحار فينش كان أمرا مفاجئا جعلني أنتحب لساعات كاملةٍ، الأفعوانية المُستمرة بين المشاعر المتقلبة من النعاس ( اسم أطلقه على نوبات الإكتئاب) إلى الإستيقاظ ( الحالات المعتادة من السعادة.) ظهر أنه كان دائما متأكدا أنه لن يكون قادرا على البقاء مستيقظا مهما حاول ولكن على الرغم من ذلك عزم في الوقت الذي امتلكه على مساعدة فيوليت التي كانت تبقيه مستيقظا. بعد قراءة الرواية لأول مرة لطالما اعتقدت أنه كان على فيوليت أن تقوم بعمل أفضل أن ربما كان عليها أن تفعل شيئا لتنقذه، لكن بعد سنوات و بعد فهم الأحداث بشكل أعمق . فهمت أنك مهمَا بذلت من الجهد بعضُ الأشخاص غيرُ قابلين للإنقاذ وهذا ما تم ذكره في الرواية من خلال القصة الذي ذكرها فينش الكثير من المرات عن عصفور " الكاردينال" وهو طائر صغير كان دائما يطير إلى النافذة عندنا كان فينش طفلاً. ما يجب معرفته أن ذكر الكاردينال يقوم بالدفاع عن منطقة تزاوجه أو نفوذه ضد الذكور الأخرى بشكل عنيف، لدرجة انه إذا رأى انعكاسه في أي سطح عاكس كالزجاج أو الماء فإنه لا يمتلك القدرة على تمييزها و يظل يتقاتل معه لعدة ساعات متزاصلةٍ - بالمناسبة الفينش كذلك اسم عصافير يتم تربيتها منزليا بشكل كبير " طيور الزيبرا".- وهذا ما يشير ربما إلى وجود علاقة بين تصرفات فينش غير المنضبطة وتصرفات الكاردينال والذي يعتبر موته إحدى صدمات الطفولة بالنسبة إلى فينش وذلك يتعلق بعدم قدرته عل إنقاذه ومنع والديه فتح الباب .
لنقل أن الكاردينال هو شخصية فينش في عالم موازي، الطائر سيلقى حتفه في النهاية إن فُتح الباب أم لا، لأن أهم شيء يملكه ويدافع عنه قد اختفى " موطنه" وهذا نفسه ما حدث مع فينش، إن كانت فيوليت قد فتحت الباب أمامه فإن الأمر انتهى بالإنتحار .لم تكن لتنقذه مهما حاولت. فينش دائما ما أراد أن يمتلك القدرة على التحكم في حياته لكنه فقدها عندما تعلق الأمر بنوبات الإكتئاب المتكررة، و بشكل ما وصل إلى فكرة أنه إن لم يكن قادرا على التحكم في حياته عليه أن يتحكم في كيفية إنهاءها، وهنا يتم ذكر " الماء " مجددا .. منطقة الراحة الوحيدة، السباحة تأخذه إلى عالم آخر، عالم فينش الخاص، وهكذا قرر الإنتحار غرقا. بعد الكثير من الإحصائيات والأرقام التي تم ذكرها في الرواية، كان كل شيئا محسوبًا بدقة من أول مشهد في برج الساعة والتحدث عن عدم الرغبة بموتٍ فوضوي كالقفز من بنايةٍ عالية.
انتحار فينش - رواية كل الأماكن المشرقة - .. بتاريخ 10.فبراير . 2024.
23.01.24 - 22:07
أجنحته اقتلعتْ ورسمت مكانها ندوبٌ ملونة، خطان مائلان يحاكيانِ زهرتين بائستين. نيرانٌ صغيرة تراقصت على المدى. الجميع صفق تكريما لتضحيته .. لقد وقف دون مظاهرٍ للألمِ أو الجزعِ ذلك ما تهامست به الأصواتُ.السِّر أنه تم اقتلاع شيء آخر قبل ذلك، الفراغُ في يسارهِ، ملوثا بدماء جافة. فقد القدرة على الطيران لكن ذلك الفقدان بدا هزيلا أمام تلك الذكرى المتعفنة خلف قفصه الصدري، يمكنهم اقتلاع كل جزء منه إلى أن يفقد القدرة على التنفسِ. هو لم يعد يمتلك وجودا منذ ذلك اليوم .. تبدو بعيدة، شرائط وردية تشبه أزهار اللوز في نقائها. ستتساقط خريفا وتغرقها دموع المطرِ شتاءا، كيف ستحترق الذكرى التي تشبعتْ بالدموع ؟. بدا أن تلك النيران تسبحُ على سطح من ماء، تنطفئ مثل نجوم الصبحِ، إلى أن تجف الدموعُ ثم تختفي،.
تقول سيلفيا في روايتها - الناقوس الزجاجي - على لسان «إستر جرين وود» محاولةً تصوير صراعها النفسي المتأزم والمتواصل : « شاهدت حياتي تتفرع أمامي مثل شجرة تين . ومن طرف كل غصن، مثل تينة أرجوانية ممتلئة، كان مستقبل رائع يومى إلي ويغمر لي بطرف عينيه. كانت إحدى التينات زوجاً ومنزلاً سعيداً وأطفالاً، وأخرى شاعرة مشهورة، وثالثة أستاذة جامعية متميزة، ورابعة إي جي Ee Gee، المحررة المدهشة، وخامسة أوروبا وأفريقيا وجنوب أميركا، وسادسة قسطنطين وسقراط وأتيلا وحفنة عشاق آخرين بأسماء غريبة ومهن غير عادية، وسابعة بطلة الفريق الأولمبي للسيدات، وكانت فوق كل تلك الثمار ثمار أخرى لم أستطع تميزها ».
« رأيتني جالسة في منشعب أغصان شجرة التين تلك، أتضور جوعاً حد الهلاك، ذاك أنني لم أقرّر أي الثمار أختار. كنت راغبة في كل واحدة منها، غير أن اختيار واحدة يعني التخلي عن الأخريات. جلست هناك، عاجزة عن اتخاذ القرار المناسب، فراحت الثمار تذبل وتسود؛ ثم سقطت على الأرض واحدة واحدة بين قدمي.».
يمكن لكل شخص في مقتبل عمره أن يفهم استعارة "شجرة التين" .. ذلك الشعور الفظيع والخانق بالتردد وعدم القدرة على الإختيار ، والشعور بأن كل خيار تتخذه للمستقبل يعني التخلي عن عشرة خيارات أخرى. معرفة أنه لا يمكنك سوى المضي قدمًا، وأنك إذا اخترت "التينة" الخاطئة تكون ربما قد ضيعت التينة الصَّحيحة التي من الممكن أنها ستتعفن قبل أن تمتلك القدرة على الوصول إليها وهنا تكون في دائرة مغلقة من الاحتمالات .. ما يتجاوزه أغلب القراء عند الحديث عن هذا الموضوع هو ما ورد في الصفحة التي تليها، أن ذلك الحديث كان مجرد هذيان ناجم عن معدة خاوية، لا أريد الإستخفاف بمدى عمق المعنى لكن ما يجب فهمه هو أنَّنا أحيانا نبالغ بالإستسلام إلى مخاوفنا و نهول كل ما يتعلق بالمستقبل في الوقت الذي يجب علينا أن نعيش اللحظة فقط، وإن ذبلت الثمار كلها ؟ وهذا يبقى احتمالا فقط، ستثمر من جديد وسيكون هنالك دائما فرصةٌ أمامكَ.
و بغض النظر عن الطريقة التي انتهت بها حياة سيلفيا بلاث - انتحرت بطريقة بشعةٍ - ، فإن إستر تمتلك نهايةً مختلفةً . ختام الرواية ، عندما تغادر إستر المستشفى، متحمسة لمقابلة مستقبلها. ربما وجب على كل قارئ التركيز على ذلك الجانب أكثر.
@ -mister الأسئلة تختلف عن التساؤلات، الأخيرة في مجملها لا تنتهي بمعرفة الجواب ... النوم؟ يحتاج إلى الكثير من السلام الداخلي، ليس الكل قادرا على على امتلاكه.