"تَرَجَّلَ المحاربُ"
تَرَجَّلَ المحاربُ، تَحت خِرَقِ السّماء المُمزَّقة،
كأنّه نَصلٌ عَتيقٌ أُغمدَ في خاصرةِ الدهر، بَليَت عليه الحروبُ، وتآكلت عند حوافّه الوصايا،
خطاهُ لا تَستقي من الأرض،
بل من غُبنِ الأزمنة،
من كَبِدِ القَتارِ،
من زَفيرِ الخنادقِ اللّي تَسَرّبَ منها الدعاء كالدخان، ثم اختنق، الساحةُ ليست تراباً،
بل فُوَّهةٌ سُفلى من جحيمٍ ثالث،
فيها العويلُ يُقامُ مقامَ التهليل،
وفيها الموتُ ينتفخ كالغُراب، يحوم حول أعناقٍ لم تُخنق بعد، لا يحارب من أجل وطنٍ أو راية،
بل لأنّه سليلُ السِيافَة،
وربيبُ الشظايا،
مطرودٌ من نعيمِ السلام،
محكومٌ عليه بالسُعار.
رمى عينيه على شُزُورِ العَجاجِ،
فرأى الحربَ تمشي، تُجلجل،
كأنها نَاقةٌ عَشراء في طَلقها الأخير،
كلُّ موضعٍ تطؤه يتحوّل إلى ضَغينة،
ثُم تقدّم…
دون درعٍ، دون مِغفَر،
كان جسده بيانًا مفتوحًا للنهاية،
وكانت عيناه تُصلي، لا للغفران، بل للخلود..
ضربَ الأرضَ بسيفه،
فتصدّعت الذاكرة،
وانهالت أصوات الذين ماتوا باسمه:
“إمضِ!”
فمضى،
وفي كل خطوةٍ،
كان يُزهِر الموتُ من حوافره،
وتموت الحربُ شيئًا فشيئًا، فيه.
وفي اللحظةِ التي اجتاح فيها الصمتُ الساحة،
سقط،
لكن لم يسقط وحده.
سقط ومعه الحربُ ذاتُها،
تُشهِرُ بياضَ كَفّيها…
وتبكي.
"وهْمٌ يُراوغ حِدّهُ"
في الفجوة بين الإدراكِ والارتطام،
انبثقتُ ككُتلةِ خطأٍ لغويٍّ في جملةٍ لم تُكتَب بعد، تواطأتُ مع السكونِ على أن أُخلّف صوتي، وتركتُ ملامحي تنزف من ثقوبِ المعنى، كأنّي تجلٍّ مبتورٌ،
أو انعكاسٌ مَعيبٌ لمرآةٍ لا تُجيد الحنين