كلّ هذا أشبه بالسّحر، أفرغ تلك الماء الملوّثة التي امتلأ بها عقلي مؤخرًا -وإن كانت ماءًا مقدّسة بالنسبة لي-، ثم أملأها بأخرى أنقى، وتصير مفرغاتي بيضاء اللون..
"أشتاق لبضع تفاصيل قديمة تعود بي لعددٍ من السنوات، باتت الأمور بغرابة تتبدّل لأخرى، أعلم جليًّا أنها فعلَت ببطء، ببطء ودون أن أحسّ بشيء، أعلم أيضًا أنني أحسستُ ببعضها.. وتجاهلتُه ببساطة، فماذا عساي قد أفعل؟ لم يكن بي حيلٌ سوى مشاهدة الرماديّ يغزو كلّ ركنٍ في عالمي، اِنساب السّلام من بين أناملي، افتقدتُ لحظة قديمة بِعتُها في سبيل هذا الفهم وذاك الإدراك الذي طمحتُ من خلاله للسّلام أساسًا، معتقدًا أن النضج هو مصيري الوحيد على كلّ حال، وقد كان، لكنني نسيت -وتجاهلتُ أيضًا- حقيقة أن الزمن يترك أثرًا، أثرًا بشعًا وللغاية."
في الفترة الأخيرة، كان هناك تِرسٌ تحرّك من مكانه، ولتوّي ألحظ، وهذا إن دلّ على شيء فهو إنذارٌ وإن لم أسمع صفيرًا، ذلك لأنني أسمعه عادةً.. وإن مررتُ مرور الكرام نحو رفوفٍ من المقت القديم المتراصّ، فالصافرة معطلة، فالصافرة غارقة في جُبّ انفصال من نوعٍ يُلاحقني.
أكره الانفصال، وإن ثرثرت بذاتي القديمة فلن أنطق غير اللّعن، والآن أقول.. إنه شيء نحتاجه، إنه أساسٌ ما للصمود في بيئة منحطّة، إنه درع جيّد حتى لا يربط المرء عنقه في مشنقة ما.