٢- لقاء دامي ..
انتفضت موضعها على الفراش تتطلع حولها في تيه .. كان أبوها يناديها اللحظة يحثها على النهوض لتلحق بأختها ..
تنبهت إلى ساعة الحائط التي تشير إلى ما قبل الثانية ظهرا بقليل، قفزت خارج الفراش تجري اتصالا باستقبال الفندق لتدبير وسيلة انتقال إلى معبد أبو سمبل..
لم تكن تعلم أنه يبعد كل هذه المسافة .. ثلاث ساعات بالعربة من هنا حتى الوصول لمدينة أبو سمبل ومنها حتى المعبد .. يا لها من رحلة !؟..
أخبرها موظف الاستقبال أنه لا يوجد إلا حافلة واحدة تخرج من الساعة الخامسة وتعود في السادسة من صباح اليوم التالي .. إذا فكرت بانتظارها فسيفوتها الموعد المخصص لمقابلة الخاطفين .. لقد غلبها النعاس قبل أن تنظم أمورها ولم تكن تعلم أن عليها الانتقال كل تلك المسافة من الأساس ..
أخبرته أن الذهاب الليلة ضرورة ملحة وعليه مساعدتها في الحصول على وسيلة تنقلها إلى هناك قبل الساعة الخامسة مساءً بأي طريقة ما دفعه ليهمس بعد ان استشعر إلحاحها: تمام يا داكتورة .. دي خدمة مخصوص مني .. أنا ليا ابن خال عنده عربية بيطلع بيها رحلات مخصوصة هخليه ياچي لحضرتك .. بس الرحلة هتكون مكلفة شوية..
هتفت عين في عجالة: اللي يطلبه المهم أروح أبو سمبل النهاردة ..
أكد الموظف: تمام .. اتفقنا .. چهزي نفسك ف خلال نص ساعة هيكون هنا ..
هتفت تتعجله: اعتبرني جاهزة ويا ريت تستعجله .. ومتشكرة أووي ..
أكد موظف الاستقبال :- تحت أمرك يا داكتورة ..
أغلقت الهاتف في راحة، واندفعت للحمام تحاول إنعاش نفسها قليلا من أثر النعاس وشعرت بالجوع لكن لم يكن هناك من وقت لتناول الطعام، فمدت كفها لثمرة تفاح على رأس طبق الفاكهة الموضوع بالطاولة التي تحتل أحد جوانب الغرفة، قضمت منها للمرة الأولى في شهية .. وما أن همت بقضم الثانية حتى كادت أن تغص لفزعها من جراء صوت رنين الهاتف الذي ارتفع، فاندفعت إليه مدركة أن السائق قد وصل لينقلها حيث مكان المقابلة التي لم تكن على بال ولا خاطر ..
جذبت حقيبة الفدية تضمها لأحضانها عازمة على استعادة اختها مهما حدث، وفتحت باب الغرفة مهرولة لتلحق بموعدها ..
*****************
وصل بها السائق إلى أبو سمبل، ثم اتجه إلى طريق صحراوي يفضي بهما إلى المعبد ..
أمضت بعض الوقت تتطلع حولها وقد بدأت المغارب تهل سريعا في مثل ذلك الطقس الشتوي.. كان الجو باردا على غير العادة ربما في المساء وبعد غياب الشمس يظهر وجه الشتاء الحقيقي على هذه الأرض ما دفعها لتتدثر بمعطفها وتزيد من إحكام غطاء رأسها حول رقبتها ..
وصل السائق لمنطقة ما خلف المعبد، وهمس لها في حذّر : بصى يا آنسة .. مواعيد الزيادة أنتهت ومش المفروض نبجوا هنا دلوجت.. وأني مش هجدر استني الصراحة .. أني ممكن أروح ف داهية ..
همست عين الحياة تستعطفه :- طب مين هيروحني !؟.. أنا هخلص موضوع بسرعة وأرجع معاك ..
همس الرجل : معلش يا آنسة .. إتفاجنا كان إني أچيبك واديني وفيت وچبتك .. بعد كِده أني مليش صالح .. دي فيها خراب بيوت .. سلام عليكم ..
تركها الرجل وانصرف سريعا غير عابىء بحالتها، فقد شعرت بالخوف يأسرها وهي تتقدم لداخل المعبد متطلعة حولها يتهئ لها أن كل تلك التماثيل الشاخصة أمامها أشباح قد عادت لها الحياة لتثأر منها لإنتهاكها خصوصيتها وقداسة معبدها، وتذكرت كل ما قرأته عن لعنة الفراعنة وبدأت تستعيذ سرا رغبة في دفع الشيطان بعيدا عن مخيلتها حتى تصل للمكان المحدد ..
تطلعت حولها وبالكاد استطاعت أن تبصر موضع قدميها .. كانت تنوي إخراج هاتفها وفتح كشاف الضوء، لكنها تذكرت تحذيرات السائق قبل أن يرحل من حراس المعبد ..
تسللت ببطء في إتجاه مدخل المعبد وقد خيل تسمع رمسيس الثاني الذي يقف بتماثيله الأربع على البوابة، كحرس خاص للمكان، يمنعونها من الدخول ..
لقد بدأت تهزي وعليها الإسراع في مهمتها ..
كان هناك رجال على تلة قريبة يراقبون الوضع متعجبين لمرأها تقترب من مدخل المعبد بهذا الحذر سأل أحدهم الاخر : مين دي!؟.. وايه اللي جابها هنا !؟..
رد الآخر : معرفش .. بس ربنا يستر .. دي ممكن تبوظ لنا العملية كلها وإحنا ما صدقنا هانمسكهم متلبسين ..
همس الآخر في ضيق : ربنا يستر ..
أصبحت عين الحياة بداخل المعبد فعلا في تلك الردهة الطويلة المرصوص على جانبيها تماثيل عدة ما استطاعت تبينها لأنها ما عادت تستطيع الرؤية فعلا، لكنه كان عليها المجازفة وإخراج هاتفها وفتح الإضاءة مع تقليل شدتها قدر الإمكان حتى تستطيع تبين موضع خطواتها ..
ارهفت السمع قليلا فتناهى لمسامعها أصوات جدال دائر بالقرب .. تسللت حتى وصلت لأحد الأعمدة وأغلقت الإضاءة حتى لا يفطن أحد لموضعها .. يبدو انهم أفراد العصابة المختطفة لأختها ..ضمت الحقيبة لصدرها وبدأت ترتجف رعبا لكن كان عليها الثبات حتى تتم ما هي بصدده بالفعل ..
سمعت ذاك الشخص المسربل بالسواد من رأسه حتى أخمص قدميه يهمس لصاحبه :- ليه التأخير دِه كله !؟.. أني حاسس إن الأمور فيها حاچة غلط..
هتف صديقه مؤكدا : لاااه .. مفيشي حاچة غلط ولا يحزنون .. تلاجيه بس تأمين وحرص زيادة مش أكتر ..
ظهرت فجأة أمام أعينهما هاتفة في قوة حاولت ادعائها : والله لا تأمين ولا حاجة ده أنا متأخرتش عن ميعادنا وطلبكم جاهز أهو و...
لم تكمل جملتها، بل تراجع كلاهما منتفضين مشهرين السلاح بوجهها ما دفعها لتقف رافعة ذراعيها في استسلام وقد سقطت حقيبة الفدية أرضا وقد صرخت في ذعر : أنا معملتش حاجة غير اللي طلبتوه ..
ما أن هم أحد الرجلين بالنطق، حتى ظهر عدد من الرجال خلفها لتصبح هي بين شقى رحا .. لا تعلم هل كلاهما أفراد لعصابة واحدة أم عصابتين جاءا ليتقاسما أموال الفدية ..لكن أين أختها من كل هذا !؟...
صرخ الرجل الذي يرتدي السواد بحدة وهو لايزل مشهرا السلاح وكذا صديقه :- إيه يا حداد .. بجيت بتشغل الحريم وياك ولا إيه !؟..
هتف حداد الرائق الذي كان يقف في غطرسة وخلفه اثنين من رجاله مشهرين السلاح كذلك: الحريم دي أنت اللي تشغلها يا ليل .. وبلاش الحركات دي معاي لأنها مش هتچيب نتيچة .. انچز وهات اللي عنِدك ..
هتف ليل الجارحي في سخط :- مش لما نشوفوا مين دي الأول !؟..
هتفت عين وهي ترتجف حتى أن حروفها خرجت مهزوزة بلا معني موجهة حديثها لليل: أنا جيت حسب اتفاقنا ..
كلماتها لم تحسن من الوضع بل زادته سوءا، حتى أن حداد صرخ في غضب هادر : كِده وچب فيك الدبح يا واد الچارحي .. شكلكم متفجين !؟.. يبجى كنت ناوي على غدر وربنا كشفك على حجيجتك..
وانتفض حداد مندفعا يبتعد عن موضعهم، هاتفا ساخرا في لهجة أمرة لرجاله :- خلصوا عليهم وادوني رنة .. ياللاه ..
وبدأ تبادل النيران بين الطرفين .. لكن ذاك الرجل المدعو ليل جذبها إليه ما أن استشعر رغبة حداد في الخلاص منهم ليرتطم كلاهما بأحد الأعمدة قبل أن يختفيا خلفه ..
صرخت هي في ألم لشدة الارتطام، بينما ظل هو على حاله لم يهتز للحظة واستمر في تبادل النيران مع رجال حداد ..
كان صدى دوي اطلاق النيران في هذا المكان يثير ارتجافها حرفيا .. فظلت متسمرة موضعها لم تتزحزح قيد أنملة إلا أنها أبصرت من موضعها بالقرب حقيبة الفدية ملقاة ارضا .. لا تعرف ماذا دهاها لترتكب ذاك الحمق وتزحف في إتجاه الحقيبة التي تحوى كل ما تملكه عائلتها من أموال جاذبة إياها، ليصرخ ليل وهو يراها ترتكب ذاك الحدث الأكثر حمقا على الاطلاق، واندفع يصد عنها إحدى رصاصات رجال حداد التي كانت لا محالة من نصيبها لولاه، جاذبا إياها للتستر خلف أحد الأعمدة من جديد ..
شعرت بالفخر والانتصار لأنها استعادت الحقيبة، لكنها شهقت في ذعر وقد سقطت نظراتها عليه فرأته يتصبب عرقا جوارها رغم أنه لا يزل يصوب نحوهم سلاحه، متبادلا معهم اطلاق النيران، الذي اشتد كثافة بعد ادراكهم اصابته.. شهقت عين عندما تبينت تخضب كفه بالدماء وهو يضغط على موضع جرحه، وقد بدأ يشحب لونه ويزداد العرق تفصدا من جبينه ..
هتف صديقه على الجانب الآخر، والذي أصبح يرمى النيران بكثافة أكبر نظرا لإصابة ليل :- أنت بخير يا ليل بيه !؟..
هز ليل رأسه مؤكدا في قوة رغم ازدياد وتيرة الألم .. وفجأة انقطع سيل الهجوم .. كانوا يعتقدون أن رجال حداد قد اكتفوا من إرهابهم فرحلوا .. لكن الأمر لم يكن كذلك .. إنها الشرطة التي يستمعون لسرينة عرباتهم وعليهم الرحيل فورا.. ظهر صديق ليل مندفعا نحوه هاتفا في قلق : أنت تمام يا ليل بيه!؟..
كان الألم قد بلغ منه مبلغا شديدا لتترنح رأسه وهو يحاول الصمود هامسا: لااه .. مش بخير .. رچعني بسرعة للچبل ..
قال كلماته ونهض مترنحا يحاول التحامل على نفسه لكن الدنيا غامت أمام ناظريه فجأة، وسقط فاقدا الوعي بين ذراعي عين الحياة التي كانت ما تزل تتطلع لدمائه العالقة بكفها في رعب وصدمة..
*************
يتبع...
أنت تقرأ
ليل يا عين
Storie d'amoreجمعتهما الأغاني والمواويل ..في كل صوب وحدب نغمة شاردة تترنم باسميهما .. فهل يجتمعا حقيقة !؟..