١١- دفء
قرر ليل بعد إلحاح من جابر المبيت في هذه المنطقة خلف التلة لأن الرجال والبهائم في حاجة للراحة قليلا حتى يمكنهم استئناف الرحلة فجرا ..
أضرمت النيران في ركوة حفرت بقلب الرمال وبدأ الجميع في الالتفاف حولها .. كان الجميع يتضور جوعا فقام بعض الرجال بتجهيز عنزة صغيرة للشواء على ركوة أخرى جانبية ..
بينما عمل البعض الآخر على تجهيز مواضع النوم ووضع البعير بشكل يحميهم ليلا ..
جلست عين الحياة على أطراف الدائرة حيث كانت التلة تقع خلفها تتابع ما يحدث في هدوء، وداخلها سلام نفسي عجيب تتحاشى النظر تجاهه لا تعلم لما.. كان يروح ويجئ مع الرجال في همة ونشاط يحسد عليهما بعد عناء الرحلة الطويلة، يقف يساعد الجميع ويعاونهم مقسما المهام بين الرجال في سلاسة ..
ضمت معطفها حول جسدها فقد بدأ البرد يشتد مع دخول الليل، وأحكمت غطاء رأسها ليمنحها مزيدا من الدفء ..
اقترب منها فقد كان يراقبها خلسة دون أن تنتبه فاستشعر إحساسها بالبرد الذي يعلم أن وتيرته ستشد مع ساعات الليل الأخيرة واقتراب الليل من نهايته عند الفجر، لذا سحب كوفيته الصوفية واتجه نحوها هامسا وهو يمد يده بها :- خدي .. البرد لسه شدته مبدأتش وأنتِ شكلك بردانة من دلوجت .. لساته الليل طويل .. خدي لفيها على رجبتك تدفيكِ شوية ..
هزت رأسها رافضة، متجاهلة النظر إليه هاتفة :- لا مفيش داعي .. أنا كويسة ودفيانة الحمد لله ..
تجاهل كل كلامها هاتفا في نبرة صارمة :- هفضل مادد يدي كِده كَتير ..
رفعت ناظريها إليه في محاولة للرفض من جديد، لكن ما أن تلاقت نظراتهما إلا وأزعنت ومدت كفها تتناول الكوفية فقد كانت نظراته تحمل رفقا وحرصا يناقض تماما لهجته الخشنة تلك ..
لفت الكوفية حول رقبتها ليندفع هو مبتعدا .. شعرت بدفء طاغ يحاصرها لا يمت بصلة للكوفية الصوفية، ولكن له كل الصلة بصاحبها الذي انحنى يضع بعضا من لحم الشواء في صحن ويعود من جديد لموضعها مقدمه إليها هامسا :- بالهنا والشفا .. كلي عشان إحنا مكلناش م الصبح .. وعشان تدفى كمان ..
تناولت الصحن في طاعة وبدأت في إلتهام الطعام بشهية كبيرة فقد كانت جوعى بالفعل .. ما أن انتهت حتى تأكدت أنه كان على حق فقد شعرت أن الدفء غزا أوصالها الباردة..
بدأ الرجال حول الركوة في صنع الشاي والتسامر.. طلبوا من أحدهم في إلحاح العزف على مزماره وقد أطاع في رغبة حقيقية لإمتاعهم ..
عزف عدة وصلات امتد صداها الشجي بطول الصحراء المترامية شرقا وغربا، حتى أنها استشعرت أن ساكني الصحراء من الجنيات قد اطربهن العزف فجئن يرقصن متمايلات ..
وازدادت الروعة عندما شاركه أحدهم الغناء شاديا في عذوبة بأحد المواويل الصعيدية :-
غايب بعيد بعيد عني والبعد طال واصل
والشوج تعب تعب مني.. واصل يا زين.. واصلقام أحد الرجال يرقص متمايلا بعصاه وسط تهليل أصحابه والغناء يشتد طلاوة :-
بعدت عني ليه .. وبعت حبي ليه ..
وذنب جلبي إيه لما بتجسى عليه ..
إيه كان چرى.. چرى مني .. ما كنت متواصل ..
والشوج تعب .. تعب مني ..واصل يا زين ..واصل
أنت تقرأ
ليل يا عين
Romanceجمعتهما الأغاني والمواويل ..في كل صوب وحدب نغمة شاردة تترنم باسميهما .. فهل يجتمعا حقيقة !؟..