١٤- نقش فرعوني
ظلت على حالها متكومة على فراشها تتطلع إلى الفراغ أمامها تنتظر عودته التي لا أمل فيها، وعلى الرغم من ذلك تستجديها لعل الله يخلف ظنونها وهواجسها .. مدت كفها تحتضن هديته، تتشبث بها كما تمنت لو تشبثت بصاحبها تمنعه الرحيل لمبتغاه ..
دمعت عيناها وهي تستمع لبعض الجلبة بالخارج لكن صوت تلك السرينة المميزة جعلها تدرك أنها ليست الجلبة التي كانت تنتظرها برغم من أنها كانت تتوقعها ..
انفرج الباب بعنف ليدخل إلى حجرتها عدد من العساكر، وأخيرا ظهر الضابط الذي اندفع نحوها في ألفة كأنه يعرفها منذ زمن متسائلا :- أنتِ بخير يا آنسة عين !؟..
أومأت برأسها إيجابا رغم شرودها الذي لم يستغربه، بل إنه قام بمعاونتها على الخروج من الدار لتركب عربته وبإحضانها حقيبة أموالها وهي لاتزل تتشبث بهدية غائبها .. مفتاح الحياة ..
**************
صرخت نجوى في سعادة غامرة وهي تكاد تعتصر هاتفها :- صحيح !؟.. أنت بتتكلم جد يا هشام !؟..
صمت للحظة فقد كانت المرة الأولى التي تزيل فيها الألقاب فيما بينهما وهمس مندفعا في سعادة :- أول مرة اسمعك بتناديني باسمي بدون ألقاب .. يا ريتني كنت لقيت أختك من زمان ..
اضطربت بدورها فلم تكن تقصد أن تغفل التكليف، لكنها السعادة بعودة أختها التي جعلتها تتخطى الحدود دون أن تدرك، فهمست متسائلة تحاول تجاهل كلماته :- هي كويسة !؟.. وهاتيجي إمتى !؟.. ولا نيجي ناخدها إحنا !؟..
هتف هشام مازحا :- يا ستي صبرك عليا .. إحنا بس هناخد منها كلمتين وأنا هجبها بنفسي لحد عندكم .. سلميلى على الوالدة .. وبشريها برجوع الآنسة عين .. حمدا لله على سلامتها ..
هتفت نجوى في سعادة :- حاضر .. هجرى افرحها أهو .. ومتشكرين أوى على تعبك معانا .. الله يسلمك يا حضرة الظابط .. هشام ..
قالت كلماتها الأخيرة في تردد، فقهقه هو لأفعالها واغلق الهاتف مودعا ليعود لعين الحياة التي تركها تتناول عصير الليمون حتى تستعيد بعض من اتزانها قليلا ..
***************
رفعت عين الحياة كوب العصير لترتشف منه القليل قبل أن يهتف هشام مؤكدا :- ايوه .. زي ما بقول لحضرتك كده .. موضع الآنسة نجوى كله كان مجرد هزار عشان تطلعك من دوامة الشغل والمسؤولية اللي كنتِ رامية نفسك فيها من ساعة وفاة الوالد ..
همست عين متحشرجة الصوت :- يعني مكنش لا فيه عصابة ولا فدية !؟..
ابتسم هشام مؤكدا :- بالظبط .. بس للأسف أنتِ قريتي الرسالة اللي نجوى .. أقصد الآنسة نجوى بعتتهالك غلط .. بدل اللقاء ما يكون في فندق أبو سمبل أنتِ قرتيه ف معبد أبو سمبل..
ولما روحتي هناك كان فيه عصابتين بيتاجروا ف الآثار أنتِ وقعتي بين أيدين حد فيهم ..
ترددت للحظة قبل أن تسأل :- طب وايه اللي حصل للعصابة اللي هاجمتوها !؟.. يعني ..
هتف هشام مقاطعا :- الحمد لله قدرنا نخلص الآثار من أيديهم .. بس معرفناش نمسك حد فيهم حي .. كلهم ماتوا ..
ارتجفت عندما شعرت بوقع الحقيقة على قلبها وهمست في عدم تصديق :- كلهم !؟..
أكد هشام :- كلهم .. حداد والراس الكبيرة مرعي، وأس المصايب كلها ليل الجارحي .. ده ياما دوخنا وراه .. بس أهم نالوا جزاءهم ..
هزت رأسها في اضطراب وهمست بصوت متحشرج وهي تنهض مترنحة :- معلش يا حضرة الظابط ممكن استأذنك نأجل التحقيق شوية عشان أنا فعلا تعبانة وعايزة أرجع الفندق استريح ..!؟
هتف هشام معتذرا :- اه طبعا يا آنسة عين .. أنا آسف إني ضغطت عليكِ ف التحقيق .. كان لازم أراعي الضغط العصبي اللي كنتِ فيه .. اتفضلي هوصلك بنفسي للفندق ..
هتفت عين معترضة :- لا مفيش داعي تتعب نفسك.. واضح إن عندك شغل كتير وأنا هاخد تاكسي من قدام القسم .. متشكرة جدا وبإذن الله هاجي بكرة نستكمل التحقيق ..
هز هشام رأسه موافقا وتركها ترحل في عجالة، لتستقل إحدى سيارات الأجرة حتى الفندق .. ألقت بالحقيبة ارضا واتجهت للنافذة تفتحها تحاول استنشاق أكبر قدر ممكن من الهواء ربما يخفف من تلك النيران التي يستعر لظاها بين أضلعها في وجع أصم .. وقفت تتطلع إلى النيل ومراكبه الشراعية الراسية على شاطئه ليتناهى لمسامعها صوت ناي يعزف من إحدى تلك المراكب وصوت يشاركه الغناء في شجن :-
الأولة ااه .. يا ليل ..
چدع بالعشج جلبه سبوه
والتانية ااه.. يا عين ..
بنية چمالها ما تلجى أخوه ..
والتالتة .. اتفرجوا الأحبة ..
كل خل عن وليفه غربوه ..
يا مچمعين الأحبة ..
ردوا كل حِب لحبيبه ..
يا تشاورا الصبر ع الفرجة فين نلجوه ..
أنت تقرأ
ليل يا عين
Romanceجمعتهما الأغاني والمواويل ..في كل صوب وحدب نغمة شاردة تترنم باسميهما .. فهل يجتمعا حقيقة !؟..