مذكرات العالم التركي علي علوي كوروجو مع الإمام حسن البنَّا (1-6)

664 18 0
                                    

البنا .. صائد القلوب ومحيي قلوب الأخوة

ولد الشيخ "علي علوي كورجو" في مدينة "قونية" التركية عام 1922م، حفظ القرآن الكريم في سن الطفولة؛ ثم هاجر إلى المدينة المنورة مع عائلته عام 1939م؛ وسافر إلى القاهرة في عام 1940م، ودرس في جامعة الأزهر، وهناك قابل الإمام حسن البنَّا، وظل يلتقيه طوال سنين الدراسة، حيث مكث 6 سنوات في القاهرة، عمل مديراً لمكتبة "عارف حكمت" بالمدينة المنورة حتى عام 1985م، له عدة مؤلفات دينية وتاريخية ودواوين شعرية تولت العناية بها وطباعتها "دار المعرفة" في إسطنبول، يعد من الشعراء الأتراك المعدودين في تركيا الحديثة كـ "محمد عاكف أرصوي" وغيره، عاش 62 عاماً في المدينة المنورة، وتوفي فيها عام 2002م، ودفن في البقيع.

وقد عاش الشيخ على علوي سنين حياته خارج موطنه، في زمنٍ كان العالم الإسلامي يعجُّ فيه بأحداث جلل (1922 - 2002م)، وقابل العديد من الشخصيات الإسلامية التي كان لها دور كبير في التاريخ الحديث من العلماء والمجاهدين ومؤسسي الحركات كالإمام البنَّا، والشيخ أمين الحسيني، والشيخ أبو الحسن الندوي، وسيد قطب، الشيخ محمد شاكر، الشيخ سعيد الزمان النورسي، والشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ زاهد الكوثري، وشيخ الإسلام مصطفى صبري أفندي، وإحسان أفندي.. عاصر هؤلاء العظماء من أعلام الأمة وعايشهم وتعلم منهم، وله معهم من الخواطر والمواقف الكثير، سجلها بقلمه وعاشها بنفسه، وفيها من التاريخ والعلم والأخلاق والدلائل ما يحتاج للوقوف عليه فيما نراه من أحداث السنين التي نعيشها. ذكر الشيخ في مذكراته التي تتكون من ثلاثة مجلدات قصة حياته وتعلمه ودراسته ومواقفه وكل الشخصيات المؤثرة التي قابلها من العالم الإسلامي.

بداية تعرفه على البنَّا

يقول الشيخ "علي علوي كوروجو": خرجنا ذات يوم من درس الشيخ "إحسان أفندي"(1) في القاهرة عائدين إلى المنزل، كنا وقتها ثلاثة؛ أنا، ومصطفى ريون، وعلي يعقوب(2)، كان هذا عام 1942م وكان عمري وقتها عشرين عاماً فقط. عبر أمامنا شخص معمم ملتحٍ يرتدي عباءة، وإلى جواره أربعة أو خمسة أشخاص، إلا أن الذي لفت نظري أن هذا الشخص ذا السن الذي يتراوح بين 35 - 40 عاماً كان أكثر ممن كانوا معه نشاطاً وروحاً. قال لنا "مصطفى ريون": يا جماعة، هذا هو المرشد العام للإخوان المسلمين حسن البنَّا، نعم هو هو! فلما قال هذا وقفنا بفضول وحيرة، وأخذنا ننظر مِنْ خلفهم، فسمعنا حسن البنَّا - وكان حساساً دقيقاً شديد الذكاء - فوقف على الفور وعاد فألقى علينا السلام وصافحنا وسألنا واحداً واحداً عن أسمائنا وعملنا ومكان إقامتنا. وقال لنا: "إذاً نحن جيران"، ثم دعانا إلى دروسه قائلاً: "عندنا لقاء الثلاثاء بين المغرب والعشاء، هو لقاء الأخوَّة، شرفونا، نحن ننتظركم". يا لها من ابتسامة جميلة، يا لها من روح عالية تدعوك إلى القرب منها.. يا لهذا الشعاع الذي كان يتدفق من وجهه إلى روحي فيلهب أحاسيسي وعقلي! تحدثت مع "يوسف"، وحكيت له عن مقابلتنا مع حسن البنَّا، وحُسن معاملته لنا وما أظهره لنا من لطف وابتسام حين قابلنا، قلت له: "يوسف، حسن البنَّا هذا يا رجل.. أسرني عاشقاً عنده". فابتسم "يوسف" وقال: "هو رجل دعوة صائد للقلوب، وأنا أداوم على لقاءاته، لنذهب إليه سوياً الأسبوع القادم". واستطرد قائلاً: "هو الشخص الوحيد - بين كل العلماء وكل المصريين الذين تعرفت عليهم في مصر - الذي أسر قلبي، أسلم عليه بيدي فلا يتركها إلا أن أتركها أنا، وإذا وقفت قليلاً يقول لي: هيا إلى المنزل إن أحببت لنجلس سوياً، لا يفرق بين باكستاني أو مصري أو تركي ويقول: كل المسلمين إخوة، يتعامل مثلما كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم، كم هو ودود مخلص قريب من القلب". فسررتُ جدًّا عندما سمعت منه هذا الكلام الجميل.

مذكرات العالم التركي علي علوي كوروجو مع الإمام حسن البنَّاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن