مذكرات العالم التركي علي علوي كوروجو مع الإمام حسن البنَّا (3-6)

152 5 0
                                    

ذكريات حول الخلافة الضائعة

كانت مزرعة التمر التي يملكها الشيخ عبدالحميد تقع جنوب غربي مسجد "قباء"، حيث تعد امتداداً لطريق الهجرة، أما الصحبة التي جرت ونحن جلوس على السجاجيد المفروشة تحت النخيل فتعد من اللحظات التاريخية. قال الإمام البنَّا: آه لو تملك هذه الجبال والصخور والطرق لساناً فتحكي لنا، فهي التي رأت بأم أعينها قصص الهجرة العظيمة التي قرأناها في التاريخ، يا شيخ عبدالحميد، ألم ينشد الأنصار: "طلع البدر علينا.. من ثنيات الوادع"، هنا على هذه التبة؟ بعدها تطرق الإمام لحال الأمة الإسلامية، وأخذ يحكي وكأن ما يحكيه يحدث اليوم، حتى وصل إلى إسقاط الخلافة، وقال: الشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين يعلم هذه الأمور أكثر منا؛ لأنه أكبر منا سنًّا، وقد عاش معترك الأحداث، والتحق كمتطوع للجهاد في الجيش العثماني، وشارك بنفسه في حرب "شنكلة" المشهورة، وكان من المفترض أن يكون معنا الآن ويحكي بنفسه. وأخذ يروي ما نقله عن الشيخ الحسيني: لم تقم الحرب العالمية الأولى لهذا السبب ولا لغيره، بل كان المقصد والهدف هو هدم الدولة العثمانية ومحو الخلافة الإسلامية، وترك المسلمين مفرقين بلا رأس، وقد أطلقت الدول النصرانية هذه الحرب على الممالك الإسلامية للسيطرة على ما فيها من بترول ومعادن، واستعمرتها حتى تفرق دول العالم الإسلامي.

بكاؤنا على الخلافة

وأضاف الشيخ البنا هذه الكلمات: سمعت يومًا الشيخ أبا الحسن الندوي يقول: عندما سمعنا خبر إسقاط الخلافة ونحن في الهند، كان هناك مأتم في بيت كل مسلم، فالقيمة التي كان يعطيها الهنود المسلمون للخلاقة كانت شيئًا آخر.. "يوم سقوط الخلافة أصبح العالم الإسلامي كأطفال يتامى مات عنهم أبوهم وهم في سن صغيرة". لم يتحامل الأستاذ البنَّا دموعه وهو يقول هذه الكلمات ورأيته يمسحها بمنديله بحياء. أين المسلمون الأتراك الذين كانوا يقولون: إن الخلافة ليست أمرًا مهمًّا ولا فائدة منها، والذين يدّعون أن المسلمين في البلاد الأخرى لا يريدون اتباع الخلافة أصلاً؟! ها هو مسلم هندي لم يرَ "إسطنبول" من قبل يبكي بحرقة على سقوط خلافتها!.

السلطان "عبد الحميد"

طالت صحبة الإمام البنَّا لنا في المزرعة- القريبة من مسجد "قباء"- وأخذ ينقل ما قاله الشيخ أمين الحسيني في حق السلطان "عبدالحميد الثاني": السيد المفتي يعرف السلطان "عبدالحميد" جيداً؛ وقد ذكر لنا أن السلطان "عبدالحميد" أعطى فرماناته وأوامره وتعليماته لكاتب العدل ورئيس المحكمة ومسؤول القدس؛ بألا يأخذ اليهود مكاناً في المسجد الأقصى، إياكم أن يُباع لهم أي ملك عقاري أبداً، حتى لو أعطوا الذهب وغزير المال! وللأسف ها هي حالنا اليوم بعد فقداننا هذا البطل والسلطان العاقل؛ أعطينا اليهود ملكية فلسطين، وقد عاصرنا هذه الأيام المؤلمة للأسف. كانت مقابلتي الإمام حسن البنَّا حين أتى للحج عام 1948م، وكانت هذه آخر حجة له، وآخر مقابلة لي أيضًا به! فقد استشهد بعد عودته من رحلة الحج هذه بأربعة أشهر، في شهر فبراير 1949م على يد أعداء الإسلام وخونة هذه الأمة. وفي أواخر أيام الحج، ليلة ثاني أيام العيد وثالث أيام منى، أعلن أن الإمام البنَّا سيلقي كلمة بجانب الخيام المصرية، وأخبرنا أن الدعوة عامة لكل من يستطيع المشاركة، وبدأ إعداد المكان. وبدأ الإمام كلمته بعد صلاة المغرب، وكان يقول بأعلى صوته: "ما دعوة الإسلام؟ كيف نضحي لأجل هذه الدعوة؟ كيف نعمل من أجلها؟".

🎉 لقد انتهيت من قراءة مذكرات العالم التركي علي علوي كوروجو مع الإمام حسن البنَّا 🎉
مذكرات العالم التركي علي علوي كوروجو مع الإمام حسن البنَّاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن