قلمٌ يصف

329 54 64
                                    


نرفع السماعة لنستقبل سؤالًا آخر ونقول: آلو؟ اطرح مشكلتك لطفًا.

ليصدر صوت Zahraa-Laith قائلة:
«لا أستطيع الوصف جيدًا، أفكر بأماكن جميلة مثلًا، ولكن لا أستطيع كتابتها...
كيف أصف بشكل جيد؟ وكيف يكون الوصف متناسقًا مع السرد؟ وكذلك وصف المشاعر، لا أستطيع وصف المشاعر كما يجب. ماذا أفعل؟ أرجو المساعدة فأنا أجد صعوبة بالغة بهذا الشأن وشكرًا.»

أنصت المارد للمتصل باهتمام، ثم وضع السماعة وقد اعتلت ملامحَه أمارات التفكير...

وها هو ذا يعتدل في جلسته، ويفرقع أصابعه في حماسٍ استعدادًا للمساعدة والإجابة عبر لوحة المفاتيح.
لا تتمكنين من الوصف إذن يا عزيزة... طريقة التفكير هذه ليست سوى غشاء يغلف وجه صفحاتكِ مانعًا رأس القلم من الجري عليها، غشاءٌ نسجته محاولات لم تفلح بالكامل، ومقارنات لم تكن في محلّها.
الجواب هو أن تثقي بالقلم، وتذوبي في أسطوانة الحبر، ستجدين الغشاء يتلاشى مع كل محاولة، وستقطفين ثمار العزم والإصرار!

لكن الكلام التحفيزي لا يغني عن النصائح العملية أليس كذلك؟ لهذا نحن هنا.

أرى ثلاث مشاكل: وصف الأماكن، وصف المشاعر، وتناسق الوصف مع السرد.
فلنبدأ إذن!

ما هو المكان لأصفه؟
بعيدًا عن التعاريف الجامدة، يكون الوصف أداة جذب يستخدمها الكاتب ليجعل قارئه يخوض الرحلة بأدق تفاصيلها...
بمرئياتها، روائحها، أصواتها، ملمس أشياءها وحتى نكهاتها في كثير من الأحيان! أيذكركِ هذا بشيء؟
إنها الحواس الخمسة! ما المكان بالضبط؟ أليس خليطًا من أشياء وروائح وأصوات؟ ألا يضيئه نور ما؟ ألا يختلف ملمس موجوداته؟
لم لا نستعرض مثالًا يصف مكانًا ما؟

«الباعة المتجولون منتشرون في الساحة كمستعمرة نمل خرجت إلى النور، أشعةُ الشمس تجلد أجسادهم بأسواطها الشعاعية، أصواتهم الأجشة تتعالى بينما ينادون بلهجة شعبية بحتة على بضائعهم، ورغم اكتظاظ العربات الخشبية القديمة بشتى أنواع البهارات والتوابل، إلا أن رائحة الطعمية تشدّ أنوف السياح لتقودهم بسحرها إلى مطعم «العم عبدو»، ذاك المطعم الذي تصدّر السوق الشعبي بطوابيره الطويلة منذ أن وُجد.»

طبقنا مبدأ الحواس هنا كما ترين، استخدمنا حاسة البصر لوصف المنظر والطوابير، حاسة اللمس لإشعار القارئ بحرارة المكان، وحاسة الشم لزجّ القارئ - الذي ربما يخبئ الرواية أسفل كتاب الهندسة- في منتصف سوق شعبي!
هل علينا إقحام الحواس الخمس في كل مشهد؟ ليس شرطًا، المهم هو استخدام ما يكفي منها لخلق صورة مرئية محسوسة قابلة للعيش في المخيلة.

قد يراودكِ السؤال الآتي: ماذا أتجنب عند وصف مكان؟
الجواب بسيط: لا تركز عدسة الكاميرا على تفاصيل لا تقدم أو تؤخر لوقت طويل، من حق القارئ طبعًا أن يُلمّ بصورة دقيقة بما المكان عليه، لكن الإطالة غير الضرورية لا تجلب غير الضجر، فحذاري.

اسأل السارد الماردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن