مرجعٌ في السرد

141 22 14
                                    

دقّت العاشرةُ صباحًا فأدرتُ المذياعَ على القناة المضبوط عليها والتي لا أذكر اسمها، وها هو البرنامج الشهير لحكاياتِ الأطفال يبدأ، ارتشفتُ قهوتي بسعادةٍ وأنا أستمعُ إلى أروع ساردة للحكايات (أبلة فضيلة)، فمع سردها الرائع الذي يمكّنني دائمًا من رؤية الأحداث، المواقف، الزمكانات المختلفة والشخصيات كأنها أمامي... أعيشُ معها بكل جوارحي!

وبعد انتهاء القصة وليتها ما انتهت! تفقدتُ صندوق الرسائل فوجدتُ رسالة من المتابعة@

تقول: «لم أجد السرد الذي يميزني، عمومًا أمتلك مشكلة في التعبير الجيد أو الوصف ولا أجده بالقوة المناسبة ولا يرضيني، وأيضًا لا أستطيع صياغة الجمل بشكل مناسب؛ عندما أعيد قراءة النص أشعر بأن هناك شيء غير صحيح
أعتقد أنني أحتاج إلى الممارسة، وأجد صعوبة بإيجاد كلمات مناسبة، وتحويل أفكاري إلى كلمات.
عندما أقرأ رواية سردها جيد والكلمات قوية ومرتبة في مكانها الصحيح ومع مقارنتي لطريقة سردي وتعبيري أصاب بالإحباط، أريد أن أصل إلى مرحلة جيدة في السرد والتعبير».

ابتسمتُ وأنا أقرأ؛ فلا زلتُ تحت تأثير سِحر السرد الرائع! جلستُ بهدوء وبدأتُ كتابة الرد...

«عزيزي السائل.

بدايةً لا داعي للشعور بالإحباط بسبب مشكلةٍ يمكن التغلب عليها بعد قدرٍ من الصبر والاجتهاد، وعندما نتحدث عن السرد القصصي فيجبُ أصلًا أن نفهم معناه، فهو تحويل مجموعة من الوقائع والأحداث المتسلسلة إلى نصٍّ مكتوب بشكلٍ واقعي ومنطقي، هذه الأحداث لها تسلسل زمني معين ويُشترط ترابط هذه الأحداث معًا فلا نجد حدثًا معزولًا عن الآخرين، كما يُشترط تطوّر الأحداث وتغيّرها ونموّها طوال وقت القصة إلى حالٍ أفضل أو أسوأ مع عدم خروجه من حيّز فكرة معينة والتي هي فكرة القصة.

وللسرد أركان أولها الكاتب وهو مؤلف القصة والسارد وهو الراوي من يحكي وقائع القصة على اختلاف صوره سواء كان ظاهرًا أي كان أحد شخصيات القصة متحدثًا بلسانها أو متواريًّا أي غير معروف، له نمط محايد غير محدد النوع، لا يُظهر مشاعره الحقيقية مهما تعقّدت الأحداث، لا يعطي شرحًا ولا تفصيلًا لأي حدث إلا في وقته المناسب.

وكما تعلم أن النص لا يسير دائمًا في زمنٍ واحد، فقد يقطعه تذكُّر أحداثًا من الماضي واستحضار مواقف بعينها لسببٍ ما يخدم مغزى القصة، وهو يزيد النص تشويقًا وإثارة ويسمى بالسرد المتقطّع أي سردًا متنقّلًا في أحداثه بين الماضي ثم العودة إلى الحاضر.

بمعنى أوضح للسرد المتقطّع، مثلما نبدأ القصة بحفل زفاف ثم يسترجع أحد العروسين أو كلاهما كيف تعرّفا، أول لقاء، كيف تطورت العلاقة؟ كيف عانا ووجدا من صعوبات حتى وصلا إلى هذا اليوم؟
ثم تعود الأحداث إلى الواقع حيث حفل الزفاف.

أي بدأنا من منتصف الأحداث ثم قطعنا زمن السرد الحاضر عودةً إلى أحداث في الزمن الماضي للقصة وبعدها عادت الأحداث مجددًا إلى الزمن الحاضر.

اسأل السارد الماردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن