ماذا في الصندوق |1|

82 1 0
                                    

في ليلة مظلمة سمعت طرقا قويا، يوحي صاحبه بأنه سيقتلع الباب إن لم تتم الاستجابة فورا ، فأسرعت فزعة للنافذة لأستكشف هوية الطارق ، خاصة أننا فارين لبلدة لا يعرفنا فيها احد بصحبة زوجي إلياس الذي استيقظ هو الأخر فزعا كأنه طعن بدبابيس حامية ، نزلت الدرج استعدادا لأي ردة فعل غير متوقعة ، نظرت من شق الباب فلم أجد أحدا بالجوار، فتحت الباب بسرعة ففوجئت بصندوق خشبي صغير مسلسل ، خرجت بحثا عن المرسل فلم أجد أحدا غير زوجي الذي لمحته داخل من الباب الخلفي للمنزل، ساورني الفزع عن ما الموجود داخل الصندوق ومن قد يكون المرسل ونحن الغرباء هنا ، فاستجمعت ما بقي من شجاعتي و ما كدت أحمله حتى اختفى من أمامي.

وأنا وسط دهشتي ...

سأسمع صوت إلياس القادم من المطبخ وهو يناديني بهدوء حاملا معه كوب حليب مشيرا لي باحتسائه قائلا :"لا تقلقي ريماس لا أحد هناك ربما الريح التي سببت تلك الضجة " تغاضيت عن غيابه المفاجئ لحظة سماع طرق الباب ورسمت ابتسامة باردة على وجهي وأنا أتناول الكوب من يديه باتجاه غرفة النوم ، فأفعاله أصبحت تصيبني بالريبة خاصة بعد أخر جرم اقترفه في قريتنا ، لم أعد أقوى على تحمل المزيد ، مرت الليلة على خير أو هذا ما حاولت إقناع نفسي به ،ومع خيوط شمس اليوم الثاني سيقع نظري على أطباق فوق منضدتي ، بجانبها لوح صغير خط عليه :" لا تنتظريني على الغذاء قد أتأخر قليلا ، اعتن بنفسك ريثما أعود " زوجك الوفي إلياس

اعتدلت في جلستي و أرجعت الخصلات التي انسدلت على وجهي .. –همست منذ متى أصبحت كذلك ؟ أجل لا تستغربوا فزوجي قلما يعد لي إفطارا بل لا تجمعنا الوجبات معا عدا العشاء الذي يكون في الأصل غذاء وأنتظر قدومه لكوني أكره الأكل وحدي ، على كل لم أكن لأنتظره هذه المرة ، لعلها فرصتي لأكتشف بها قرية الوادي

_يقال أنه وادي الموت لقربه من المقبرة الشرقية والتهامه أرواح كل من يعبره في الأيام الأخيرة من كل شهر _

لكن من سيصدق خرافات كهذه من المؤكد أن كل ما يقع محض صدف تحدث في تلك الأيام مصادفة فقط وفي طريقي بجانب هذا الوادي متأملة زرقة السماء وشعاع الشمس الذهبي لمحت صفا من الرجال بنفس الطول تقريبا ، فاقتربت منهم بدافع الفضول الذي يصفه إلياس بأنه سيكون سببا لحتفي يوما ما فازددت تعجبا لسجودهم تباعا ، بناحية كائن لا يعرف منه جنسه فقط سواد داخل سواد ، فدخلت بين الجموع التي غلبها خشوعها لدرجة ارتطمت بأحدهم فلم يحرك ساكنا ، إلى أن وصلت لسيدهم ذاك الواضح من شكله المهيب .

إلياس

شعرت بحركة غريبة في الخارج فكان خروجي اضطراري تلك الليلة من أجل التأكد على سلامة بيتي وزوجي، لكن الحظ كان حليف ذلك السواد الذي فر هاربا نحو الغابة قبل التأكد من هويته، يقال أن الحظ عادة يضحك للأشخاص الغلط، فكان هو الشخص الغلط،

في صباح الغد قررت الخروج باكرا بحثا عن عمل في القرية القريبة من وادينا علني أثبت جدارتي من جديد لريماس، مررت على عاشر دكان في هذه القرية الفظ اهلها ، فلم يقبلني أحد منهم ولا حتى بادر أحدهم بالابتسام في وجهي وكلما مررت بمحل نعتني أصحابها بالغريب ،وامتنعوا قطعا عن تشغيلي ، بعد أن كاد ينقطع أملي لمحت حانة في أخر الشارع يبدو كئيبا ظاهرها ، وكأن زبائنها من الأموات، ارتضيت لنفسي الجلوس بجانب رجل خمسيني، يترنح برأسه ببطء ويهدي بكلام غير مفهوم ، عادت بي الذكرى لريعان شبابي عندما كنت لا القي بالا ، للأيام التي تتوالى مسرعة دون ان تمهلني لحظة لتنتظر نضوجي بدل تهوري، كأنها البارحة عندما كنت أتسكع في النوادي هربا من العمل مع أبي واستبدلت لقاءي بأصدقائه بأصدقاء لا يعول عليهم في وقت الشدائد .

عادت بي السنون واهتزت مشاعري حسرة على الماضي الأسود، لدرجة أنستني فيها لحظتي، إلى أن انبعث الدخان من سيجارة العجوز ولفح وجهي واستنشقت رئتاي ما شاء لها ان تستنشق فعدت لحاضري، لأسمع تساؤل العجوز :"ما الذي أتى بك أيها الغريب ، ألا تعلم أنك في قرية الموت ، ومن يدخلها لا يخرج منها سالما ،وأيامك لن تطول هنا لذا عليك ان تعجل بالرحيل قبل اكتمال القمر، أما إذا التقت عيناك بمالك هذه القرية ، فلن أضمن لك العيش مجددا " ماذا يقصد هذا الخرف هل نحن نعيش مع بشر أم مع وحوش ؟ بعد لحظات بدأت أستوعب كلامه فلم تقدر قدماي على حملي ودارت بي الارض، وعيونه بثت في أوصالي الرعب ، فهرولت مسرعا للبيت فلم يقابلني إلا السكون فزادت شكوكي حول مصيبة ستحل بنا ،وأنا مستغرق في تفكيري ستفتح الأبواب و تدخل ريماس محملة بكل ما لذة وطاب، فاستغربت متسائلا _"من أين لك كل هذا ، هل سرقت أحد العجائز" ؟

فردت عليا لاهثة :" _هاها مضحك من أين ورثت خفة دمك تعال و ساعدني بدل إلقاء نكتك التي لا تضحك أحدا غيري ، لمحت في عيوني علامات الاستفسار فأردفت :" لقد خرجت للبحث عن عمل واستكشاف القرية بجانب الوادي ، ولن تتوقع من قابلت هناك،

حاولت استعادة أنفاسها بشكل طبيعي فأكملت وهي تدخل الاغراض للمطبخ،

_:" صاحب هذه القرية ولن تتخيل طيبته و لطافته خاصة بعد ما علم أننا قدمنا من الجنوب فعرض علي العمل في بيته فوق التلة المقابلة للواد كمربية لابنتيه الصغيرتين وتعليمهما لغتنا المحلية مقابل قطعتين من الذهب وبما أننا في أمس الحاجة ولو لقطع نحاسية فقد وافقت مباشرة ....

صعقني خبر موافقتها على العمل معه فزدت يقينا أن رأسي لن يطول به الأمد وسيتم اقتلاعه ،كما تقتلع النخيل من جوف الصحراء دون أي رحمة، فجاءها ردي باردا :"كيف لك أن تخرجي من المنزل دون علمي ، ماذا إن حصل لك مكروها أو اختطفك أهل القرية بتواطؤ مع أهلك "

رمقتني بنظرات حزينة ، استدركت معها عبارتي: "لا لا لم أقصد الانتقاص منك أو من أهلك ، ولكنني لا اريدك أن تشتغلي مع رجل مجهول ، لا نعرف الوجهة التي ستذهبين إليها حتى.. لذا فأنا من سيذهب عوضا عنك...

لمست الارتياح في عينيها فبادرتني بابتسامة دفعتني للابتسام كذلك .

فانتهى اليوم على خير أو هذا الذي أقنعت به نفسي ، وفي فجريوم غذ سمعنا نفس الطرقات اليوم الأول ، لكنها كانت أقوى هذه المرة فسبقت ريماس نحو الباب وبيدي متراس لأحفر به رأس هذاالصعلوك الذي يحاول سلب راحتي مني ، فتحت الباب لتصل دهشتي لذروتها فسقطت مغشيا علي .. 

لعنة الثأرWhere stories live. Discover now