#الجوكر_والاسطورة4...(#صراع_الشياطين....)....
#الفصل_الثاني_والعشرون...
وجوده بغرفتها وأمام عينيها كالكابوسٍ بالنسبة إليها، وجود "يوسف" لجوارها منحها بعض الطمأنينة وإن كان بداخلها خوفٍ يهزم ثباتها المخادع على ملامحٍ وجهها، سحبت نظراته الغامضة تجاه "يوسف"، شملته نظراته وهو يبتسم قائلاً بمحبةٍ غريبة بالنسبةٍ لشجن:.
_أنت "يوسف" صح؟...
وزع نظراته بين "شجن" وبينه باستغرابٍ، فأجابه بفتورٍ:
_أيوه أنا، وحضرتك أكيد والد "نغم"....
تحرك"طلعت" ببطءٍ تجاه فراش "شجن" متعمداً أن يحدجها بنظراته المخيفة بين الحين والأخر حتى وهو يرد عليه :
_كان عندي فضول أشوف الشاب اللي سرق قلب بنت "طلعت زيدان"، ومش أي بنت، يعني لو كانا" ريم" كان الموضوع هيكون مش صادم بالنسبالي لكن "نغم" شبه مستحيل...
انتصب "يوسف" بوقفته ليتساءل باهتمامٍ:
_ليه؟...
جذب "طلعت" المقعد المجاور ل"شجن" ليجلس على مقربةٍ منها، فسعلت بشدةٍ والإرتباك يتقمص دوره بحرافيةٍ على تعابيرها، منحها نظرة عميقة جعلت جسدها يرتجف رعباً، تعمد الصمت لفترةٍ قبل أن يجيب "يوسف":
_" نغم" عنيدة وصعب تحب حد الا لو كان يستاهل...
طالت نظراته المسلطة تجاه "شجن"، وكأنه يتعمد إخافتها، رفع"يوسف" هاتفه مقابل وجهه، ليجد رسالة منها تخبره بها بأنها بأنتظاره بغرفتها لتريه شيئاً هام، فوضعه ببنطاله وهو يهم بالمغادرة مودعاً شقيقته ببسمةٍ هادئة:
_حبيبتي أنا هروح اشوف "نغم" عايزة أيه وهرجع الشغل عشان صاحب المطعم على اخره مني....
أومأت برأسها بهزات إجبارية، فكاد للمغادرة، فتوقف محله حينما استدار "طلعت" بجسده تجاهه وهو يتساءل في اهتمامٍ:
_أنت بتشتغل أيه يا "يوسف"؟...
رد عليه بملامحٍ شبه عادية:
_الصبح في النقاشة وبليل في مطعم...
رسمت على وجهه بسمة إعجاب فطرح سؤالٍ أخر فضولي:
_أنت متخرج من كلية أيه؟..
أجابه بتلقائية ودون الحاجة لتزين ما سيقول بل يعده وسامٍ يفنخر به:
_خرجت من التعليم من زمان، اللي زينا مبيهمشوش التعليم اد ما بيهمه بيدخل أيه وكام عشان يقضي يومه من غير ما يحتاج لحد...
وودعه ببسمة ثقة فيما إختاره، ثم خرج ليتجه لغرفة"نغم"، استغل"طلعت" بأن الغرفة صارت تجمعه بها بمفردها، فسلطت نظراته الحادة تجاهها وهو يقول بغموضٍ مخيف:
_حمدلله على سلامتك...
لعقت شفتيها بإرتباكٍ قاتل وهي تحاول التحكم في ثباتها، وجوده هنا وبهذا الوقت بالتحديد غير مفهوم بالمرةٍ، باتت تعلم بأن هناك أمراً غامض من زيارته المخيفة فقالت بصوتٍ يتراقص توتراً:
_الله يسلمك...
رسمت على شفتيه بسمة مخيفة، فلف وجهه تجاه باب الغرفة ليتأكد بأنهما بمفردهما، ثم تمتم بصوتٍ منخفض سمعته جيداً بعدما إنحنى بمقعده ليكون قريباً منها للغاية:
_خلي بالك بعد كدا، المرادي رقبتك إنكسرت الله أعلم المرة الجاية هيحصلك أيه، فخليكي حريصة أكتر من كدا لأن وجودك في قصر "طلعت زيدان" ملان بالخطر اللي إنتي محبتيش تتفاديه ببعدك عن المكان دا وعن ابنه...
صعقت من تهديده الصريح والمباشر إليها، فجف حلقها المرير وهي تستمع إليه، تسلل لمسمعه خطوات أقدام تقترب من الغرفة فأعتدل بمقعده وهو يشيعها ببسمة شيطانية مخيفة، ولجت "نجلاء" للداخل، فتعجبت للغاية حينما رآته يجلس جوارها، برقت حدقتيها في ذهولٍ وهي تردد بتعجبٍ:
_"طلعت"!، بتعمل أيه هنا؟...
أبعد نظراته التي تخترقها عن وجهها ليتطلع إلي زوجته وهو يجيبها بهدوءٍ زائف رسم على وجهه:
_هكون بعمل ايه يعني يا حبيبتي، سمعت باللي حصلها وقولت أجي أشوفها مش دا الواجب ولا أيه؟..
عبثت بملامحها بضيقٍ، وكأنها لا تصدق حديثه وخاصة بعد ان إختطفت نظرة سريعة لوجه شجن الشاحب، نهض عن مقعده وهو يغلق أزرار قميصه ليستقيم بوقفته المهيبة وهو يغادر غرفتها بعدما ودعها بنظرة تصاحبها تلك البسمة المخيفة التي إهتز جسدها تاثراً بها، إنسحبت "نجلاء" خلفه على الفور، فلحقت به وهي تناديه بصوتها الشرس:
_"طلعت"...
وقفت من أمامه وهي ترمقه بنظراتٍ حادة، قطعتها بقول:
_عايز أيه من "أشجان" يا "طلعت"؟..
الشكوك التي تملأ عينيها تجاهه كانت كفيلة بنسب تهمتها إليه كونه يود أن يختبر ابنه نفس التجربة التي قاسها كلاً منهم، أوضح ببساطةٍ ونظراته المحذرة تخترقها:
_هكون عايز منها أيه يعني يا"نجلاء"، قولتلك جيت أعمل الواجب لما عرفت اللي حصلتها يبقى خلصين...
وتركها محلها حائرة، تتأمله بشكوكٍ تغرقها ببئر من الإحتمالات التي نجح العقل بتدونيها...
*************
طرق على باب غرفتها ثم أرهف السمع لإذنها بالدخولٍ، وحينما تأخرت بمنحه الاذن ولج لغرفتها وهو يبحث بعينيه عنها، رفع صوته المنادي بأسمها:
_"نغم"، "نغم"....
كالفراشةٍ هي، حملت طرف فستانها الأبيض ثم خرجت من حمام الغرفة لتقف من أمامه، تعلقت عينيه بها فتجمدت عليها وكأنها تهوى رؤياها، شعوراً مربك استحوذ عليه وهو يراها عروس من أمامه، ابتسمت"نغم" برقة وهي تراقب مكنون نظراته الهائمة بها، استدارت بفستانها بفرحةٍ وهي تهمس بصوتها الخافت:
_ها أيه رأيك؟...
ليته طفلاً صغير يتعلم الكلمات فيكون هناك أمل لتعلمه النطق ولكنه بحالة غريبة، يجهل الكلمة المناسبة ليعبر عما ينبع باوصاله تجاهها، شوقه ورغبته بها كانت تدفعه للإفتراب وشهامته توقفه صفعاً برجولته التي تحتمه على البقاء بعيداً لحينما تصبح بمنزله الخاص، بصعوبة بالغة تحررت الكلمات على لسانه وهو يسألها بثباتٍ:
_أيه دا؟...
انزوى حاجبيها بضيقٍ من سؤاله الغير منطقي، فقالت بتذمرٍ:
_فستان وأبيض هيكون أيه؟!...
اخشونت نبرته وهو يستكمل حديثه بحدةٍ:
_يكون زي ما يكون بس مش هتلبسي الفستان دا....
وكاد "يوسف" بمغادرة الغرفة حتى لا يستسلم لهمسات عشقه النابض بشراسةٍ بين ضربات القلب، عبثت بملامحها فركضت سريعاً لتقف امام باب غرفتها لتمنعه من الخروج وهي تتساءل بغضب:
_لأ، ليه يا "يوسف"!....
تطلع لذراعيها العاري فتطلعت لذاتها بالمرآة وهي تبتسم بمكر متعمدة ان تهز كتفيها بدلال:
_لا الفستان لسه مش كامل متخافش محتشم، أنا بس اللي قولت مالوش داعي اخنق نفسي وأنا بقيسه قدام جوزي...
ضيق عينيه بخبثٍ من دهائها فقال بعنادٍ يغلبها:
_محتشم مش محتشم أنا قولت عليه لأ يعني لأ.....
ثم دفعها برفق وهو يضيف بإستياء:
_وأوعي بقى كدا صاحب المطعم هيطردني....
تمسكت بذراعيه وقد بدى الحزن يتقمص دور البطولة على ملامح وجهها التعيس:
_بس أنا عايزة البس الفستان دا يا"يوسف"...
عاد ليقف من أمامها من جديد وقد تملكه الغضب بكافةٍ السبل، فوضع يديه بجيوب جاكيته وهو يحدجها بنظرة قاتمة طافتها من رأسها لاخمص قدميها ليختمها بقوله الساخر:
_أممم مش عايزة غير دا!، هو فعلاً شكله شيك وغالي يعني عحبك فعشان كدا مش مستعدة تلبسي اللي جوزك جبهولك لأنه مش من مستواكِ يمكن يكون أرخص من دا ومش من مقامك تظهري بيه نظريتي صح ولا غلط؟...
وفتح الباب من أمامه وهو يشيعها بنظرةٍ حادة:
_كنت غلطان لما إفتكرت إنك ممكن تتغيري يا"نغم"...
وتركها وكاد بهبوط الدرج الجانبي، ليستمع لصوتها اللاهث، استدار ليقف من أمامها، فقال بصرامةٍ مبالغ بها:
_لسه في حاجة تانية!...
وقفت باكية من أمامه فقالت بدموعٍ تدفقت على وجهها:
_أنا مكننش أعرف أنك هتجبلي فستان ولما بعتهولي معرفتش اقولك إني مش هلبس غير دا خوفت تزعل مني...
رفع عينيه تجاهها وقد إستنزفت طاقة تحمله، كور يديه وهو يجز على أسنانه حتى برزت عروق رقبته:
_متستفزنيش يا "نغم"....
فتحت يدها لتقدم له صورة قديمة، وهي ترمقه بنظرة معاتبة لتضيف قبل أن تحمل فستانها وتغادر:
_انا وعدتها أني هلبس فستانها يوم فرحي عشان أحس بوجودها جانبي...
وتركته يتأمل ما بيديه لتسرع بخطاها عائدة لغرفتها، تقوس حاجبيه بذهولٍ حينما وجد صورة سيدة ترتدي نفس الفستان الذي ترتديه"نغم"ولجوارها كان يقف شابٍ صغير بالعمرٍ يحمل نفس ملامح"فريد" فعلى ما يبدو بأنه "طلعت زيدان"، ارتسم الضيق على ملامح" يوسف" الذي تيقن بأنها ترتدي نفس فستان والدتها الراحلة، صعد خلفها من جديد بخطواتٍ حرجة، مترددة لما فعله، فتح باب الغرفة ليجدها ممددة على الفراش تبكي بقهرٍ على تعمده بجرحها بكلماته المتكررة، إقترب منها بهدوءٍ ثم جلس جوارها ليرفع يديه على ذراعيها، قائلاً بحزنٍ على جرح لا يعلمه سوى من حرم من نعمة الأم والاب:
_أنا إتسرعت بكلامي مكنتش اعرف إنه فستان والدتك....
وبآسفٍ شديد قال وهو يجذبها لأحضانه:
_معلشي حقك عليا مقصدتش أجرحك والله أنا إفتكرت إنك آ...
ثم بتر كلماته بتردد من النبش بما حدث، فقال ببسمة لبقة وهو يتأمل الصورة بين يديه:
_على فكرة أنتِ شكلها جداً..
رفعت عينيها إليه بأبتسامةٍ جميلة وهي تتطلع للصورة بين يديه ورأسها مستند على صدره الصلب:
_أه، عارفة أنا و"مراد" شكل ماما بالظبط...
رفع حاجبيه بإعتراضٍ على حديثها بمقارنتها:
_لا أنتِ أحلى...
ابتسمت وهي تتطلع له بدلالٍ:
_قول حاجة معرفهاش...
سألها بلهجته الساخرة:
_تكبر دا ولا برضه فهمتك غلط...
فردت فستانها على الفراش بحرصٍ شديد وهي ترمش بكبرياءٍ:
_لا فهمتني صح يا "جو"...
ابتسامة ساحرة تسللت لشفتيه المحاطة بلحية نابتة منحته مظهر رجولي، تبدلت ملامحه للصدمة حينما خطف نظرة سريعة لساعة الحائط، فدفعها بقوةٍ على الفراش وهو يركض تجاه الباب قائلاً بضيقٍ شديد:
_صاحب المطعم هينفخني الله يحرقك أنتِ وفستان أمك في يوم واحد...
وهرول سريعاً من أمامها لتتساقط على الفراش بأهمالٍ من فرط ضحكتها على مظهره المضحك....
********************
إنساب الدمع الحارق من حدقتي عينيها، تهديده الصريح لها جعل جسدها ينطوي رعباً من مصيرها البائس بقصره اللعين، نعم مازالت تحتفظ بورقة طلاقها التي تعد تحرر لعلاقتها بمعشوق الطفولة، ولكنها استفاقت من غفلتها الحمقاء فحينما تمسكت به بكل ما أوتيت من قوةٍ تقف كل الظروف عائق من أمامها لتفرق بينهما عن عمداً، حتى هو حينما كان قريب على بعدٍ صغير منها لم تشعر به ولا بمشاعره المرهفة، وحينما أزاحت غيمة قلبها السوداء، طالبت بكامل حقوقها به كونه زوجها ومن الصعب تركه أو التفريط به، حينها ظهر"طلعت زيدان" يهددها بحياتها، ربما كانت بوقتٍ سابق ترحب بأجنحة الموت ولكنها الآن لا تريده!..
بحاجة لفرصةٍ، بحاجة للإعتذار، للبكاء على صدره وهي تطالبه بأن يغفر لها ذنبها الفادح، ضمت "شجن" ركبتيها لصدرها لتخرج عن نوبة بكائها الصامت ببكاءٍ يعلو صوته فيخترق قلب من يشاهدها عبر جهاز الحاسوب بألم إخترق قلبه كالسهام المشتعلة بالجمر، يعيد الفيديو المسجل ألف مرة حتى يتمكن من سماع ما قاله أبيه لها حينما إنحنى بجسده عليها، صوته المنخفض من الصعب سماعه؛ ولكن حالتها المخيفة ربطت الخيوط من أمامه حتى وإن لم يصل للحقيقةٍ كاملة ولكن دمعاتها تكفي لأبادة حرب متكاملة كونه أزعجها حتماً بقولٍ أو فعل...
رفع "رحيم" هاتفه وترقبه لسماع صوت من يطلبه يجعل كالأسد الذي يترقب القضاء على فريسته الضعيفة، أتاه صوت "حازم" بعد قليل فقال بنبرة تعلو صدى غضبها بالأرجاء:
_أنا مش نبهت عليك أن "طلعت زيدان" ميدخلش اوضة "شجن" لأي سبب من الأسباب!..
_الغلطة عندي بموتة يا "حازم" وأنت عارف كدا كويس أنت مش احسن من اللي إشتغلوا معايا قبل كدا، لو ابوك نفسه مات متتنقلش من مكانك...
_وريني فعل مش كلام أنا اللي يشتغل معايا يكون صاحي وواعي لكل كبيرة وصغيرة أنت فاهم!....
وأغلق هاتفه ليلقيه على الطاولة بعصبيةٍ بالغة، مسد على شعره الطويل بغضبٍ جامح، فألقى حاسوبه أرضاً وهو يهدر بصوتٍ مخيف:.
_لسه عايز أيه تاني!....
زفر الهواء الثقيل عن صدره وهو يتوعد له بعينين تشع شرار:
_فاكرني عشان بعيد عنها إنها كدا بقت تحت رحمتك، تبقى لسه متعرفش أنت زرعت جوايا أيه....
وإنطفأت زيتونية عينيه لتحتلها هالة مخيفة تكاد تحرق الغرفة من حوله، طافت نظراته الأرجاء فاهتدت لصورتها الباكية على شاشة حاسوبه الملقي أرضاً بإهمالٍ، جلس "رحيم" جواره ثم قربه إليه ليلامس بأصابعه شاشته، الألم ينبعث بداخله وهو يرى دمعاتها تنهمر بعجزٍ، مرر أصابعه على وجهها وكأنه يزيح ما علق باهدابها، ليتها تعلم كم يعشقها، ليتها تعلم فرحته بتمسكها به وبقائها بقصره على أمل عودته، ليتها تعلم كم سر وهو يتابعها تتطلع للورقة التي تحمل نهاية لعلاقتهم، ليتها تعلم كم يتمنى من أعماق قلبه ان لا توقع إسمها جوار إسمه، هو يشعر بالإرتياح كونها وضعت إسمها ام لأ فهناك سراً خفي متعلق بورقة الطلاق ولكن هل بالفعل لاحظته هي!...
******************
ترددت كثيراً بأن تقترب منها لتسألها عن حالها، لسانها السليط يضع ألف حاجز وحاجز بينهما، لعقت "ريم" شفتيها بإرتباكٍ وهي تقترب منها ، فقربت شريط الدواء منها وهي تقول بتوترٍ:
_عرفت من "سما" إنك عندك صداع، الحبوب دي كويسة بتريحني لما بكون تعبانة...
استندت "منة" بجذعيها على حافة الفراش، لتستقيم بجلستها وهي تتطلع لها بنظراتٍ مبهمة، سحبت "ريم" ذراعيها بحرجٍ وهي تمتم بخجل:
_ لو خايفة منها ممكن أخد حباية قدامك انا أساساً عندي صداع من المذاكرة وقرف الإمتحانات...
وجدتها تتطلع لها بصمتٍ، فوضعته على الكومود من جوارها وهي تتجه لفراشها قائلة بيأس:
_عموماً براحتك، تصبحي على خير...
وتمددت على السرير الصغير ثم داثرت ذاتها جيداً وعينيها تتابعها بحذرٍ، نهضت "منة" عن الفراش ثم جذبت شريط الدواء لتتناول منه حبة بكوبٍ من المياه لتمدد على فراشها قائلة دون النظر إليها:.
_هخاف منك ليه هو أنتِ بتعرفي تأذي نملة!..
ابتسمت "ريم" بفرحة، فهرعت لتتمدد جوارها على سريرها قائلة بأبتسامة عريضة:
_اه والله غلبانة ، ومستغربة انتي ليه اخدة مني الموقف دا وأنا ملاك...
ابتسمت "منة" وهي ترآها تتمدد جوارها فقالت ممازحة إياها:
_أنتِ ما صدقتي ولا ايه؟...
قالت ببسمة هادئة تدعي الحزن المصطنع:.
_لو مضيقة هقوم انام على سريري واسيبك بقى تعيشي دور العمة اللي شايفه نفسها على مرات أخوها الغلبانة...
منحتها نظرة مشككة وهي تضيف:
_أنتِ الغلبانة دي!!!...
هزت رأسها بتأكيدٍ فتعالت ضحكاتهم معاً بسعادة تفتح طريق المودة فيما بينهما لأول مرة..
**********************
تفحصت "سارة" الملابس من أمامها بصدمةٍ أصابتها فقدان النطق بينما تتابعها "سلمى" ببسمةٍ خبيثة، ألقت ما بيدها بوجهها وهي تسألها في ذهولٍ:
_يخربيتك أيه اللي أنتِ جايباه دا؟!...
أزاحت "سلمى" قطع الملابس الصغيرة التي أصابت وجهها بحرافيةٍ وهي تردد بخوفٍ مما ستفعله بها:
_متقلقيش جايبة من كل نوع اتنين واحد ليا وواحد ليكي، الفرح قرب ولازم نستعد..
اتسعت حدجتيها بدهشةٍ عظيمة، فألتقطت أحداهما وهي تشير لها في انفعالٍ شديد:
_أنتِ فاكرة إني ممكن ألبس اللبس دا وأمشي قدام "ريان" بيه!.....
رفعت "سلمى" شفتيها في سخطٍ وهي تلوح لها بذراعيها:
_وأنتِ هتلبسيه قدام حد غريب يا هبلة، دا جوزك يا ماما....
ألقت "سارة" الحقيبة أرضاً وهي تهدر بها بعصبيةٍ وتحذير:
_اسمعي يا بت أنتِ، تلبسي اللي أنتِ عايزاه إن شالله متلبسيش خالص لكن أنا No يا حلوة، مالكيش دعوة بيا، بلاش قلة أدب ياختي أما هتلبسيله كدا في أول الجواز أمال بعد كدا هتلبسيله أيه ياختي....
وتوجهت لفراشها وهي ترمقها بنظراتٍ حادة، تعالت ضحكات "سلمى" وهي تتابع ما فعلته لتو فهمست بصوتها الخافت:
_مجنونة دي ولا ايه؟!...
*************************
هرول للأعلى سريعاً بعدما إستبدل ملابسه بزي المطعم الخاص، أسرع تجاه الطاولة وهو يجذب الورقة ليدون ما يريده الزبون قبل ان يلاحظ المدير تأخره الملحوظ، تجهمت ملامح وجهه بيأس حينما رآها يشير له من خلف زجاج غرفة المكتب، فأشار "يوسف" لزميله بأن ينوب عنه بينما توجه هو للأعلى ليمنح ذاته الصبر لتحمل ما سيستمع إليه، ولج للداخل بعدما طرق باب المكتب فقال بشكلٍ مباشر:
_يا فندم انا عارف إني اتاخرت بس كان عندي ظروف والله أكيد مش هتأخر بدون ما يكون سبب مهم...
نهض المدير عن مقعد مكتبه وهو يقترب منه ببسمةٍ واسعة للغاية، كانت غامضة بالنسبة ليوسف فهو معتاد على الشجار المتبادل بينهما، إقترب ليقف بمحاذاته وهو يشير له بيديه:
_لأ، أنت تأخد راحتك وتيجي بالوقت اللي تحب مهو المكان بقى ملكك خلاص..
تعجب من لهجته الغريبة، وخاصة الجزء الأخير منه، فقال بتذمر:
_لو حضرتك جايبني هنا تتريق عليا عشان تأخيري فأرجع شغلي أحسن...
وكاد بالمغادرة لعمله حتى لا تسوء الامور بينهما كونه رجلٍ لا يقبل الإهانة بكافة السبل، أوقفه المدير وهو يجذب الأوراق من أعلى مكتبه:
_إستنى بس، الورق أهو هتريق عليك ليه، المطعم بقى بتاعك بيع وشرا....
تناول الاوراق الممدودة بيديه بحاحب مرفوع، فتنقلت عينيه على محتوى الاوراق بصدمةٍ حقيقة، فتساءل بدهشةٍ:
_إزاي!، أنت بتقول ايه، ومين اللي دفعلك المبلغ دا كله؟...
أشار بيديه تجاه الطاولة المنعزلة بأخر الرواق الطويل، حيث كان يقبع أحداهما على المقعد، إشرأب "يوسف" بعنقه ليتمكن من رؤية وجهه ولكنه كان يدير ظهره تجاهه، فخرج من مكتب المدير بملامحٍ مشتتة ليتوجه للطاولة المنشودة، مع كل خطوة كان يقترب منها منها كانت الملامح المبهمة تغدو أكثر وضوحاً ليرى "طلعت" من أمامه، وضع "يوسف" الملف من أمامه ثم جلس على المقعد المقابل له، ليتأمله بقليل من الصمت إنتهى بسؤاله الثابت:
_ليه؟...
إرتشف "طلعت" من كوب العصير الطازج من أمامه بهدوءٍ، ليجيبه على ما قيل ببسمةٍ غامضة:
_عشان لما تحب تخرج لمكان تخرج من غير إستأذان من حد.
وبهمسٍ مازح قال:.
_وأهو مفيش صاحب محل هينفخك ولا هيكلمك.....
رسم بسمة جادة على وجهه، فدفع بأصابعيه الملف ليكون أمامه، مضيفاً بكلماتٍ مناسبة:
_ميلزمنيش مكان مشترتوش بتعبي وبدراعي...
تعمق بالتطلع إليه، ثم دفع الملف ليستقر من أمامه من جديد وهو يحك طرف انفه ليبدأ بالحديث الجادي:
_شوف يا "يوسف" أنا مبختبرش شهامتك ولا رجولتك لإني لو مكنتش متأكد مليون في المية إنك الراجل اللي أقدر أمنه على بنتي مكنتش إستسلمت إن الجوازة دي تكمل، يمكن كلام "نجلاء" عنك وصلني جزء من شخصيتك وكلامي معاك وصلني الجزء التاني...
شخصية "طلعت زيدان" غامضة بالحد الذي استرعى قلق "يوسف" وتردده وخاصة حينما نهض "طلعت" بعدما ارتشف محتويات الكوب مرة واحدة ليشير له بأصابعيه قبل مغادرته:
_إنت تستحق الفرصة دي يا "يوسف"...
وترمه بحيرةٍ من أمره ثم قصد الدرج الخارجي للمطعم الضخم ليستقبله سائقه الخاص بفتح باب السيارة الخلفي، فجلس بالخلف ونظراته مسلطة على"يوسف" الجالس محله بإرتباكٍ...
****************
بالأسفل...
وضع الخادم أكواب العصير الأربعة على الطاولة المستديرة التي تضم "سليم"،"جان"،"ريان"،"آدم"....
إلتقط"آدم" الكوب وهو يرتشفه ببطءٍ شديد وأذنيه تستمع لوجهات النظر المختلفة فيما بينهما فقال:.
_أنا من رأيي نستنى لما "رحيم" يرجع مصر وبعدين نعمل الفرح بلاش نتسرع نستنى شهر أو شهرين مش مشكلة يعني...
رد عليه "جان" بحدة:
_يا بني حد قال إننا هنعمل فرح من غيره هو أو "مراد"، بنقول هنجهز للفرح...
غمز له" ريان" قائلاً بلومٍ وهو يلكزه بكتفيه:
_براحة على الواد يا "جان" دا تربية أمريكاني أخد أن كل حاجة تجهز في يوم أو يومين ميعرفش إننا هنا بنحتاج شهور عشان ننفذ شروط ومتطلبات العروسة اللي تحسها إنقرضت من الكوكب..
ابتلع "آدم" ريقه بصعوبةٍ بالغة:
_متطلبات أيه لامواخذة...
تعالت ضحكاتهم بمرحٍ فكادوا بشن حفلة ليلية على شرفه فقطعهم "سليم" لإنقاذه:
_سيبكم بقى من جو الأطفال دا، إحنا فعلاً هنجهز للحفلة وللقصر بهدوء لحد ما يرجعوا بالسلامة..
ثم تطلع لساعته بضجرٍ:
_الوقت إتاخر اوي يلا تصبحوا على خير...
وتركهم "سليم" وتوجه للاعلى فتفرق كلاً منهما لغرفته....
*******************
توسطت الشمس كبد السماء لتغدو كالعروس في أبهى طالتها، بغرفةٍ "شجن"، فتحت عينيها بتعبٍ وهي تحاول تحريك رقبتها من الوضع المؤلم الذي يستحوذ عليها، حاولت بصعوبة ان تستقيم بجلستها دون أن تأذي رقبتها، ففزعت برعباً حينما شعرت بحركةٍ خافتة بالغرفة، جذبت الجهاز المتحكم بالستائر من جوارها لتضغط عليه فعم الضوء المكان بأكمله لترى بوضوحاً من يجلس أمامها على الأريكة المقابلة لفراشها، سحبت أنفاسها ببطءٍ وهي تتذكر تهديده بالأمس، حرر"طلعت" قدميه الموضوع على الأخرٍ بكبرياءٍ ليقف أمامها بنظراته المخيفة، ابتلعت ريقها بقلقٍ وهي تبتعد عن فراشها ظناً بأنه سيقتلها مثلما أخبرها بالأمس، وكلما إقترب تباعدت هي برجفة تنخر عظامها الهاشة وتحفز غضب الشيطان القابع بنفس "رحيم زيدان" الذي يراقب ما يحدث بغرفتها بشتى أنواع الغضب، تطلعت للخلف وهي تتراجع، فإرتجفت شفتيها وهي تردد:
_أنا مش خايفة منك ولا من تهديداتك أنا مستعدة أموت الف مرة على إني أبعد عنه، أنا عارفة أنت ليه عايز تموتني وتخلص مني لإني السبب في ظهور "فريد" الشيطان اللي زرعته جواه.... جوا شخصية "رحيم زيدان" اللي مبقاش ليها وجود بظهوري.......
ابتسم "طلعت" وقد بدت تعابير وجهه مختلفة كلياً عن أمس، فتوقف عن الإقترب منها وهو يقول بهدوءٍ:
_بالعكس، أنا مبقتش عايزك تبعدي عنه يا "أشجان"....
ضيقت عينيها بذهولٍ من كلماته، فاستطرد وبسمته مازالت تتشكل على وجهه:
_أنا معنديش مشكلة معاكي عشان أتخلص منك بالعكس أنا محتاجلك أكتر منه، محتاج إنك تخرجي ابني من الدوامة اللي هو عاش فيها، كنت عايزك ترجعيه لنفسه ولحياته اللي هو إتربى عليها، بس كنت خايف...
لعقت شفتيها بتوترٍ منا تستمع إليه فقال دون ان تسأله عما يثير خوفه:
_أكتر حاجة ممكن توجع الواحد لما الإنسانة اللي بيحبها تتخلى عنه لأي سبب من الأسباب، وأنا عشت التجربة دي زمان لما"نجلاء" إتخالت عني عشان خوفها من أبويا ونفوذه وتهديداته ليها بالموت، خافت على نفسها وهربت ومفكرتش في القلب اللي سابته وراها يعاني ويدفع تمن حبه ليها لحد اللحظة اللي واقف فيها قدامك، والتمن التاني كان "فريد" اللي عاش عمره كله يعاني...
ثم قال وهو يتطلع لها بصدقٍ:
_لما الإنسان بيتوجع من شخص عادي سهل ينسى ويقوم لكن لو الوجع دا متعلق باللي بيحبه صعب يقوم يا بنتي، وأنت جرحتيه باللي عملتيه عشان كدا كنت بحاول أعرف أخرك أيه عشان لو كنتي حابة تكوني نسخة من "نجلاء" يكون في الوقت دا قبل ما تعلقيه بيكِ أكتر من كدا...
ثم استكمل كلماته ببسمة إعجاب واضحة على معالمه:
_بس أنتِ طلعتي أقوى مما تخيلت ورغم كل تهديداتي ليكي فضلتي هنا ومش همك اللي ممكن أعمله فيكي وأنتِ عارفة اللي ممكن أعمله....
انسدلت دمعة حارقة من عين "شجن" فقالت بصوتها الذي يهمس بصعوبةٍ:
_كان غصب عني، أنا إتخدعت، كنت فاكرة إن "فريد" شخص مختلف عن "رحيم زيدان"، وهم زرعه الحيوان دا في عقلي خلاني أصدقه واساعده وأنا من جوايا مهزوزة ومش عارفة أنا بعمل أيه!..
واتخرطت بنوبة بكاء تصاحبها ندبات من القهر والخسرة وهي تضيف:
_كان نفسي يديني فرصة بس هو مسمعنيش، عاقبني ببعده عني...
ثم تطلعت للغرفة بتقزز وهي تضيف بمرارةٍ:
_سابني جوا المكان دا، بحس فيه بكل لحظة إنه بيضيق عليا...
وتمسكت برقبتها وهي تهدر بإنكسار:
_مبعرفش أتنفس بحس إني مش عايشة، يمكن هو كرهني بعد اللي حصل بس أنا حبيته وإتعلقت بيه أكتر ووجودي هنا هو أخر قشية بتعلق بيها على أمل إني أشوفه وأخليه يسمعني...
من خلف الشاشات، هنالك قلبٍ يئن، هناك روحٍ معذبة وكلمات لم تكتمل بجملة العشق والحنين، هناك أذن ترهف السمع لكلماتٍ من ختمها بختم الشوق والوجدان، هناك دمعة ألم إخترقت حاجز قسوته لتهبط ببطءٍ شديد، وكأنها تخلد هذة اللحظة الغريبة حينما إخترقت دمعة حارقة عالم الشيطان..... عالم"رحيم زيدان"!!.....
#الأقوى_قادم...
#تراقبوا....
#صراع_الشياطين...
#بقلمي_ملكة_الإبداع..
#آية_محمد_رفعت..
********____________*********
أنت تقرأ
الجوكر و الأسطورة ..٤ صراع الشياطين.. للكاتبة أية محمد ملكة الإبداع
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل والاقتباس الجزء الرابع من الجوكر و الأسطورة حينما نلجأ للصمت فهذا يعني إن بداخلنا صراعٍ عظيم بين المسامحة ومنح الغفران لمن يحمل الجزء الأكبر من تركة القلب وثروة المشاعر الهائمة بمن وقع الأختيار عليها لتكن أمير...