السكوت لغة المجروح

ذاكرتي

ذاكرتي ضعيفة ، أضعف من ذاكرة شجرة عجوز تتجهز للموت بصمت ، أضعف من ذاكرة جدار طاعن في الهشاشة يتدرب على الانقضاض بسلاسة دون أن يعكر هدوء الليل ، ذاكرتي شارفت على الانتهاء ، اكتشفت هذا متأخرا جدا بعد أن فشلت في الدراسة والعمل والحب وفاتني أن أحفر قبرا محترما لذكرياتي الأليمة قبل أن تذهب دون عودة..لا أذكر أي شيء سوى أنني أستيقظ في الصباح ، أذهب للعمل، أخرج في المساء دون تذكر أي انطباع عن اليوم الذي قضيته ..
أنسى أسماء صديقاتي ، الأماكن التي التقينا فيها ..
من دفعت الحساب آخر مرة ؟
من منهن تسرد النكت السخيفة ، لمن أعرت كتبي ؟ ثم ماهي الكتب الي أعرتها ، ما عناوينها ، ما شكل غلافها ؟
أنسى المواعيد المهمة ، الوعود التي أقطعها لأشخاص لجأوا إلي ..
أنسى تسجيل أرقام الهواتف بأسماء أصحابها ..
أين وضعت ملفات مهمة، ضياعها سيفتح عليّ أبواب جهنم ..
أنسى شجاراتي مع اهلي ، ماذا قالو لي في آخر مرة قبل أن يرتفع ضغط والدتي ويحملوها للمستشفى ..
شعوري حينها ، هل كنت سعيدة أم لا ؟  ، هل ضبطت المنبه على الساعة السابعة أم الثانية عشر ؟
أنسى تاريخ ميلادي..من أحب حقا ؟ من يحبني حقا ؟
أنسى سيرتي الذاتية ولا أذكر من طفولتي سوى أن أمي أوصلتني ذات يوم للباب وهي تمسك يدي ، فتحته ببطء تقدمت خطوتين للأمام ثم لا فجأة انطفأت مصابيح العالم ولا أعلم ماحدث بعدها  ، استيقظت على هذه الهيئة ، في مكان غريب وأمي لا تمسك بيدي ..
استيقظت وقد كبرت وتعبت وربما هرمت !
لا أحفظ القوانين ولا المعادلات ، ولا الأرقام السرية الخاصة بي ، فقدت الكثير من الحسابات الافتراضية في معظم مواقع التواصل الإجتماعي ، لا أحفظ التواريخ البارزة ، لا الأحداث المفرحة ولا المحزنة بالكاد أحفظ اسمي ..
لقد بدأت ذاكرتي بالذوبان ..
إنني أحس بذلك ..
لقد انتهت مدة صلاحيتها رغم أنني لم أتجاوز ربع قرن من هذا العذاب ..
أنسى الوجوه وأكثر من ذلك أنسى الإحسان كما أنسى الإساءة ..
لم يعد لأي شيء قيمة ..
..أسير صوبه معتنقا ذاكرتي الفارغة ..