-27-

2.8K 126 88
                                    

التفتنا أنا وميسم إلى مصدر الصوت..
لقد كان الياس واقفا أمام الباب.. أتمنى أن لا يكون قد سمع ما تفوهت به للتو!!..
رأيته ينزل قليلا ثم يحمل تلك العلبة التي وقعت منه ويدخل الغرفة، نظر إلينا بابتسامته المعهودة ثم قال.. - بعتذر ع المقاطعة.. ينفع فوت؟..

- لا.. طبعا فوت الياس.. أجبته أنا ليدخل ويضعها على أحد الطاولات، ثم اقترب من ميسم، أمسك يدها بحب وبدأ يمسح عليها بأصابعه، في حين بدا بعض الانزعاج عليها..
- عاملة ايه؟.. سألها بحب..

- كويسة.. أجابته بهدوء، بينما ابتعدت أنا قليلا حتى أترك لهما المجال ليأخذا راحتهما ثم قلت.. - اا.. طيب أنا رح أطلع شوي..

- استني.. استوقفني صوت إلياس لألتفت إليه فيسألني.. - رايحة فين؟..

- هان بس.. أشرت له بأصبعي على الرواق ليقول.. - استني لحظة.. ثم التفت إلى ميسم وقال.. - حاسة حالك كويسة بجد؟.. يعني هتقدري ترجعي ع البيت دلوقتي؟..

- ايوا.. خلينا نرجع أحسن.. قالت وحاولت النهوض لتعدل جلستها بينما أخرج إلياس مفاتيح سيارته من جيب بنطاله وطلب مني أن أشغلها ريثما يأتي هو وميسم..

أخذتها منه واتجهت إلى سيارته، فتحت الباب الأمامي، شغلت السيارة وجلست هناك تاركة الباب مفتوح، أخرجت علبة السجائر خاصتي ووضعت إحداهما في فمي ثم رحت أدخنها بشرود.. أفكر في كلام ميسم..
أشعر أنني في ورطة حقيقية!!..

انتشلني من ذاك الشرود صوت الياس وهو يصرخ بي.. - معلش تطفي السيجارة؟!..

نظرت إليه ثم نزعتها من فمي ورميتها لأقول.. - اسفة..
نهضت من المقعد لاسمح له بتولي القيادة وجلست رفقة ميسم في المقعد الخلفي، بينما قامت هي باحتضان ذراعي ووضع رأسها على كتفي بهدوء.. ثم انطلقنا..

~ ياسمين ~
رحت أسير بين الشوارع ممسكة هاتفي المفتوح على تطبيق "Google Maps" عله يساعدني في إيجاد تلك المقبرة..
إنها أول مرة أزور فيها مدينة غزة، ولا أحد لي هنا.. وعائلتي الفلسطينية في نابلس.. لذا فأنا حاليا كالتائه!..
أي يكن.. رحت أتبع الطريق كما هو موضح في الخريطة إلى أن وصلت، وقفت أمام الباب.. رفعت ذلك الشال الذي كنت أضعه على عنقي فوق رأسي، ثم رحت أتبع الطريق كما دلتني أثير سابقا وأنا أبحث عن قبرها بعيناي إلى أن وجدته..

اقتربت منه، ورحت اتحسس ترابه بأطراف أصابعي..
كان لا يزال عبارة عن كتلة تراب تغطي جسدها
شعرت بحرقة شديدة في عيناي لتبدأ دموعي بالانهمار كالسيل..
بكيت بحرقة كما لم أبكي من قبل، لقد كانت أيار صديقتي الوحيدة وسندي الوحيد وملجئي حين هجرت عائلتي التي لم يكن يهمها أمري..
والآن ها أنا ذا قد فقدت هذا الملجأ أيضا!!..

مسحت دموعي ونهضت من مكاني لأبتعد وعيناي لا تزالان عالقتان في قبرها.. أسير في ذلك الطريق ببطئ وأشعر بأن قدماي قد أصبحتا عاجزتان على حملي!!..

سجن في الهواء الطلقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن