انحدرت الشمس الذهبية ذات الخيوط الحارة الملتهبة إلى مغربها، و دب
السكون كدبيب الظالم في سماء المدينة ، فال يرى أحدهم في الشوارع يتمشى،
و لا يسمع صوت عربة و لا صراخ بائع في الأزقة غير حفيف الأشجار
الخريفية كلما مر بأوراقها هواء رقراق يداعبها، و التجأت الطيور إلى أوكارها
ففقدت المدينة بريقها.
هكذا ترى العيون الشاحبة مدينة لندن في الليالي الخريفية، وهكذا تستقبل
الصدور الضيقة و القلوب الباردة نسيم رياحها الغربية.
فمدينة لندن رغما عن بريقها نهارا و ازدحام أزقتها ظهيرة، تفقد حيويتها
مساءا، كما تستنزف طاقة العازف بعد أمسية موسيقية طويلة.
و إن رأيت أحدهم في شوارع لندن في الليالي الباردة ، فأعلم أنه سائح تائه أخرجه الجوع الذي أعوزه، أو شخصا تعيسا تلقى صدمة هرب منها و من نفسه إلى شوارع هذه المدينة الضبابية ، لعل تلامس روحه قطرات الندى الناعمة فينشرح .
أو يكون حاله كحال صديقنا مارتن الذي عاد من عمله و هو يسير بخطى متباطئة غير متوازنة بين الأزقة الخالية الباردة ، حانيا رأسه صامدا بعدما تحمل جسده النحيل عبء تعب شديد دام ليوم طويل، يحمل على جسمه قميص أبيض شفاف بالكاد يحميه من برودة الطقس ، و بنطال رمادي لا يقل رذالة عن حذائه المتآكل من صدى الأيام.
اتجه إلى محطة العربات التي تصل بين لندن و المدن المجاورة لها ، جلس القرفصاء متكال على الحائط ، ينتظر العربة التي توصله إلى مدينة كولشيستر حيث يقيم أهله ، نعم ، فهو ليس ابن العاصمة ،هو يعمل بمكتب السكك الحديدية و في نهاية كل يوم جمعة يذهب حاله كحال باقي الموظفين الأجانب للاستمتاع مع الأهل بعطلة نهاية الأسبوع .
وصلت العربة ، فاستقل مقعدها الخلفي و مدد ساقيه على المقعد المواجه ، و فدف بحقيبته على الرف الشبكي ، و أطلق من صدره زفرة راحة و استسلام .
أنت تقرأ
العودة إلى الدرجة 0
Adventureالإهداء لكل شخص وقع ضحية لوباء البؤس فصار لئيما مكسورا...... لكل من تآكل حبل أمله فانقطع...... لكل بئيس فر من الحياة هاربا من النحس الذي يطارده و الشقاء الذي لن يفارقه..... كن صامدا.... ولا تنطلق نحو المجهول فتعود خاسرا