**2

11 1 1
                                    

لم تكن الرحلة طويلة ، فمدتها لا تزيد عن ساعة ، و كان مارتن قد تعود على هذا الطريق و عن أشجار الصنوبر التي أمست تبدو كظلال أطياف في ظلمة الليل . فلم يطل من النافذة قط إلى أن وصل إلى
المدينة.
نزل من العربة ، أعطى للسائق أجرته ، و سار متجها إلى البيت الذي لا يبعد عن المحطة إلا بأمتار قليلة ، كانت خطاه متباطئة تعكس للناظر خيبة أمل مارتن و استسالمه لقساوة الحياة و من حوله . فهو لم يكن متحمسا لرؤية أمه و اللجوء إلى صدرها بعدما رفضه العالم ، فلم يدم
الفراق بينهما طويلا ، حتى و إن فعل لما كان شوقه أشد و لهفته أكبر.
قساوة الحياة جعلت منه شخصا متبلد المشاعر .
توفي والد مارتن و هو في المدرسة الإبتدائية ، تاركا خلفه أرملة و ثلاث أبناء ، مارتن أكبرهم ، ثم أخته أنيثا البالغة من العمر الآن 30 سنة فهي أصغر من صديقنا بخمس سنوات ، و أصغرهم جون كريستوف في بداية عشرينياته ، شاب مشاكس متسلط ، دائما ما يسبب
المشاكل لأهله منذ نعومة أضافره .
يمكن أن نقول عنه فاشلا، فقد طرد من الإعدادية بسبب وقاحته مع الأساتذة و صالبة لسانه، فلم يكن بالتلميذ اللامع أساسا، و بالتالي خروجه من المدرسة منذ سن مبكر لم يكن بمثابة خسارة لأهله، عاطل متكاسل، ينتظر السماء أن تمطر عليه لؤلؤا و ذهبا .
دخل مارتن الى المنزل فاستقبلته والدته بعناق لم يتعدى خمس ثوان، و استطردت مباشرة في حديثها دون أي مقدمات :
-- عزيزي مارتن ، اااه ماذا كنت لأفعل في غيابك، اذهب يا بني و افصل بين أختك و زوجها، ذلك المتعجرف دائما ما يفتعل المشاكل، يقول أنه أخطأ حين تزوج أختك لأنها غير قادرة على الإنجاب، أيرديك سماع هذا ؟
  لم ينصدم مارتن من طريقة استقبال أمه له الباردة، فهو يعلم أنها تتكل عليه في كل شيء حتى في أتفه الأمور، و أن عالقتها به عالقة مصلحة و اتكال أكثر مما هي عالقة أبوية حميمية ، لكن لا يجوز أن يرفد أحد طلباتها و إلا صار ابنا عاقا في اعتبارها.
سحب مارتن ذراعيه من يدي أمه و غادر المنزل مجددا باستسالم و انهزام، فهذا ما يحدث عادة في كل زيارة له .

العودة إلى الدرجة 0حيث تعيش القصص. اكتشف الآن