الفصل الرابع: داخل الحدود

86 2 12
                                    

كانت الرياح تتسلل من كل زاوية في هذه الغرفة وتنخر عظامي نخراً، ورذاذ خفيف من المطر يمر بفعل الهواء القاسي من خلال النافذة المحطمة كان يبلل وجهي بين الفينة والأخرى.

وصوت رعد لا يهدأ، كأنه يضرب سطح البناء الذي أنا فيه في كل مرة أسمع فيها صوته.
ورائحة المطاط المحروق المنتشرة بكل شارع في المنطقة من قبل السكان الذين يحاولون تدفئة أنفسهم، تقتل أعصاب الشم عندي في كل مرة أتنفس فيها.

ألم في معدتي بدأ يزعجني من تأثير الطاولة الرطبة التي أنا مستلقية عليها.

كرهت كل شيء يتعلق بالمجيء إلى مكان كهذا.

لم أجد الوقت الكافي لتحضير نفسي لأجواء كهذه، والغرفة التي اخترتها لم تكن كما تخيلتها تماماً
ناهيك عن اختياري الموفق لملابيسي الرقيقة.

و غداءي الذي لم يتسنى لي فرصة لتناوله، لا يزال مختوماً في كيس بلاستيكي داخل حقيبتي التي تركتها في سيارتي على حدود نهاية '****' ، على بعد مئات الأمتار من حيث هذا المبنى موجود.

تخيلت أن يكون آخر يوم لي في العمل أكثر بساطة.

عندما لاحظت أن كل زملائي في العمل من الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم ممن كانوا يمرون على قسمنا لاستلام التقارير، قد بدؤوا بتجنبي، شعرت بالضعف.

نفس الضعف الذي رأيته في أعين الذين كانوا هنا منذ ** سنوات.
يشبه شعورك وكأن الكون بأسره قد اتفق على أن يرفض وجودك.

يجعلني ذلك أفكر.
أفكر في ذلك المكان الذي ليس لي وجود فيه.

"هل بإمكانك تخيل عالم لا تكون فيه؟" قالت لي إحدى الضحايا "يستمر العالم بأداء عمله بشكل عادي، الفرق الوحيد أنك لست فيه"

لا يمكنني نسيان ذلك، لا يمكنني نسيان وجهها أو حتى أعينها.
حتى هذا اليوم لم أستطع معرفة عمّ كانت تعبر تلك الأعين.
لم تكن فارغة، حزينة، أو غاضبة.

كانت المرة الأولى التي شعرت فيها بحزن شديد حيال أحد هؤلاء الأشخاص.

ومن أجل مغادرة هذه البيئة، قررت أن أعمل على آخر ما تبقى من مهمات موكلة لي مهما كانت.

التي اخترتها كانت مناسبة للموقف، لا تتطلب إلا وجود شخص واحد، تحت تصنيف راقب وارتجل.
تنتهي فترة صلاحيتها بقدوم منتصف الليل من هذا اليوم.

وسواء أتممت المهمة أو لا، لن يعرف أي أحد بذلك
فبمجرد أن تنتهي فترة الصلاحية ستدخل استمارة استقالتي في الوقت نفسه في النظام.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Aug 06 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

إيونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن