الفصل الحادي عشر

189 31 33
                                    

حين حلت الساعة السابعة صباحا، كانت عيناي قد فقدتا قدرة إفراز أي دموع، وخارت قوى جسمي على آخرها. ذاك الهدوء الذي سطا على الغرفة تدريجيا ساقني نحو النوم ثانية ولكن خوفي وهلوستي من كل الأحداث ردته عن جفوني رغم التعب.

لم أكن مستعدة للذهاب إلى المدرسة يومها، ولم تكن مفاصلي ستسمح بأن أستيقظ إلا أنني استيقظت، وحدقت في كامل الغرفة  رغم ضبابية الرؤية فلم يكن هناك ما يثير الريبة في الأرجاء.

غيرت ملابسي وحملت حقيبتي دون تفقد ما فيها من أغراض ثم وضعت هاتفي في جيب ميدعتي وخرجت من الغرفة. ذاك المشهد الكئيب الذي قابلني بغرفة جلوسنا المفتوحة حيرني.

رأيت أبي يجلس على الأريكة المقابلة ورأسه بين يديه، في حين تمشي وتجيء والدتي بقلق مفرط داخل الغرفة ويربت شقيقي على كتفها حينا ثم ينظر إلى هاتفه حينا آخر. أيقنت أن شيئا غير سار قد حدث ومع كم الأحداث التي عايشتها، تملكني الفزع شيئا فشيئا.

مشيت نحوهم بخطى مترددة، حالة من الوجوم لونت ملامحي. ابتلعت ريقي بصعوبة ثم سألت بصوت منخفض:

- ماذا حدث؟ لماذا تتجمعون كالبؤساء هنا؟

لم يبلغني منهم أي رد، تجاهلوني تماما ولوهلة بدأت أشك في نفسي وفي ما يمكن أن يكون قد حدث:

- لماذا لا تجيبون، هل اقترفت ذنبا؟

صمتهم المبالغ فيه وتجاهلهم أصابني بالغضب الشديد. كورت يدي بحنق وقد تنهدت يائسة. لطالما كانوا عصبيين أكثر مما يجب.

- أراكم لاحقا.

قلت وأنا أخطو مغادرة البيت إذ ما عدت أشعر بأن الهواء في المكان كاف ليملأ رئتي.

كيف انقلبت حياتي هكذا؟ سؤال لم أجد له أي جواب. بل وجدتني أطرح أسئلة كثيرة: ما دخلي أنا في هذه السلسلة المقيتة من الأحداث؟ لم يكن إبراهيم هذا حتى صديقا مقربا، كنا ندرس في مدرسة واحدة، نرتاد نفس النادي ولكن علاقتنا لم تتجاوز عتبة السطحية يوما. لماذا يتدهور حالي بسبب ما يحدث له؟ وما شأني بكل هذا؟

زادتني هذه الأسئلة غضبا على غضبي. حين وصلت للطريق أين يلوح منزل إبراهيم توقفت، بقيت أرمق المنزل بحزن وانقباض. فكرت في والدته، في والده الفقير المرهق، وفي كمية الأذى الذي عايشوه خلال الأيام الماضية وابنهم الأصغر مفقود لأسباب غامضة.

خطر إلى بالي فورا ذاك الاتصال الغريب الذي أيقظني ليلا فأخرجت هاتفي أبحث في لائحة الاتصالات لأعثر عليه مسجلا. لم أكن أتوهم إذا، لقد حدث حقا. قلبي عاد ليدق بوتيرة سريعة مضطربة، بقيت أحدق في الشاشة وقد ازدادت مرارة شعوري ضعفا.

ضغطت زر الاتصال ووضعت الهاتف عند أذني وعيناي لا تبتعدان عن الطريق أو البيت. الهاتف رن هذه المرة على غير عادة الأيام الماضية وجسدي ارتجف توترا ورهبة. بدأت أمشي سالكة طريق منزل إبراهيم وقد أيقنت أن شيئا جديدا قد حدث. هل عاد إبراهيم يا ترى؟ هل عثروا عليه حيا أم ميتا؟

الموؤودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن