الفصل الثالث

1.5K 136 495
                                    

وقفنا أربعتنا أمام منزل آل محفوظ أسفل الهضبة، أنا وهديل وإيناس ومريم. كن يضحكن في حين أتباهى بأنني لا أخافه ولا أخاف شيئا في هذه الحياة، سوف أحضر الوردة البيضاء سريعا وسوف أعود.

ساعدتني إيناس كي أرفع ساقي قليلا عن الأرض لأستطيع تسلق الباب الحديدي الضخم ثم أصعد فوق سور البيت. التفتت لهم وأنا أصيح بحماس:

"هذا مذهل! لو ترون الحديقة، أوسع مما كنا نعتقد ولولا أنها مهملة لكانت جميلة جدا."

استعنت بالباب ثانية كي أستطيع النزول إليها ليظهر لي ذاك المشهد كاملا، الأعشاب الطفيلية العالية ملأت المكان، الكثير من النباتات الضارة والأزهار البرية أحاطت بالبيت من كل حدب عدا أشجار السرو العالية حول السور. جدرانه من الخارج بدت متسخة ومتداعية ومع هذا كان تصميمه مميزا وأنيقا لا يشبه طراز منازل مدينتنا.

ركضت لأقطف الوردة وقد تملكتني رهبة من المشهد الوحشي أمامي، حاولت قطعها بحذر غير أن أشواكها انغرزت بيدي وسالت قطرات من الدم.

أخذتها وعدت سريعا نحو الباب الحديدي لأجدهن قد فررن راكضات ضاحكات، ناديتهن بأعلى صوت كي تعدن بعدها تملكني شعور غير مريح. التفتت لأرى المنزل الهادئ باحثة عن حجر أضعه كي أستطيع الخروج عبر السور مجددا.

اقتربت منه وصعدت الدرج الصغير المؤدي إلى الباب الخشبي الرئيس، كان البيت محكم الإغلاق بحيث يستحيل النظر داخله، عدا الفتحة الصغيرة أسفله.

همس خافت قد انبعث من الداخل:" ساعديني! أرجوك."

غير أنني لم أسمعه، قمت وسرت بين الحشائش بحثا عن الصخور. جمعتها كلها قرب الباب وحاولت الصعود سوى أنها تداعت ووقعت على الأرض، جرحت ساقي ولعنت بصوت منخفض.

"ساعديني!"

صدح الهمس مجددا ولم أسمعه، أعدت ترتيب الصخور بشكل محكم، حاولت التوازن ثم صعدت فوقها واستطعت أن أضع ساقي على طرف الباب، تسلقت الجدار ثانية وقفزت خارج المنزل وفي جيبي الوردة البيضاء.

التفتت للمرة الأخيرة أحدق به، كانت النوافذ مفتوحة عكس ما كانته حين دخلت، وفي النافذة العلوية الوسطى، خلف الزجاج كان هناك طيف أبيض لفتاة هزيلة تحدق بي بنظرات حزينة.

الظلام كسى المكان، بعدها صدح همس خافت من الركن المظلم بغرفتي للمرة الثالثة:" ساعديني! أرجوك."

فتحت عيني وأنا أسمع صوت قلبي يهتز منتفضا ككل مرة، عرق بارد قد سال على جبيني وارتجفت أوصالي خوفا. بدأت أتلو المعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي ثلاث مرات، ثم ضغطت زر إنارة الغرفة.

شعرت بارتباك شديد، بيت آل محفوظ وحادثة الوردة، كل ذلك قد حدث حقا، كل تلك الأحداث حقيقية، غير أنني لم أسمع الصوت في الواقع ولم  تكن النوافذ مفتوحة حين ألقيت نظرة أخيرة على المنزل قبل أن أغادر.

الموؤودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن