|الأخير|

1.8K 345 298
                                    

"من تكون يا هذا؟" نطق الرجل فيما حوّل نظراتهُ الحادّة تِجاه أبي، والذي كان نقيضًا له، باردًا... ورمقاتهُ تخلّلها امتهانٌ واضح، وهذا ما جعل المعنيّ يشتاطُ غضبًا فيما أردف "لا تحشر أنفك فيما لا يعنيك".

حالما نبس بِهذا أطلق أبي ضحكةً ساخرة على مضض، وكانت المرة الأولى التي أراهُ في موقفٍ هزليّ كهذا، طفق يُمرّر أصابعهُ على ذقنهِ وقد تبدّلت هالتهُ الهادئة في لمحِ البصر "تبدو جريئًا... هل فكرت مليًا قبل أن تُقدم على إيذاء ابنتي؟".

حسنًا... في الواقع، حتى هذه اللحظة لم يُقدم على إيذائي، فقد كانت نيّتهُ الواضِحة فقط، لا زِلتُ لم أبرح مكاني، وقد تحوّل دوري لمُتفرّجة كما البقيّة تمامًا، فيما قد خطف أبي الأضواء فجأةً ليُصبح محطّ أنظار الجميع.

أظهر الرجل على قسماتهِ انزعاجًا جليًا، وقد سُرِق منه الحديث على حين غرة ليسترسل بتهكم "يُمكنني منحك تذكرةً بالمجان إن أردت...".

عقّف المقصود حاجبيه، تمامًا كما فعلتُ أنا، فلا عِلم لي عن أيّ تذكرةٍ تلك التي يتحدث عنها.

"مالذي تتفوّه به! تذكرة ماذا؟".

اخترقت نظراتهُ كيان هذا الضخم بشكلٍ مأساوي ليُجيبه بشحوب "تذكرةٌ إلى الجحيم بالطبع!".

ها هوَ يصك على أسنانه، وكأنهُ يُفكّر بالتراجع الآن!
وما لبث ثويناتٍ حتى انسحب بالفِعل، في مُحاولةٍ فاشِلة لِإخفاء جسده الضخم بين الحشود.

وبين شرودي الذي دام لِثوانٍ، شعرتُ بكفّهِ الدافئة تمتدّ نحوي، أمسك بي من ذراعي ورفعني نحوه في هدوء بينما يسير مبتعدًا عن الجموع.

أشعُر بغصّةٍ تنتصف بِحلقي، رفعتُ بِناظريّ تِجاهه فيما لا يزال مُمسكًا بي، سِرنا لمسافةٍ لا بأس بِها حتى أصبحنا في زاويةٍ منعزلة قليلًا، وها هوَ ذا يتوقف، وأفعل أنا المثل، بينما أُحاول مُعالجة ملامحي قبل أن يلتفت إليّ.

"مالذي تفعلينه هُنا؟" برويّةٍ قد نطق، وقد استدار نحوي لتوّه، ليتجمّد ملمحهُ لوهلة بينما يُحملق بي، وعلى ما يبدو أنني بِدوري قد فقدتُ السيطرة على نفسي، وشعرتُ بسيلٍ ساخن ينهمر على وجنتي، بينما حاولت جاهِدةً أن أُطبق على شفتيّ بغيّة كبح جماح مشاعري، في لحظةٍ لم أُدركها قد أجهشتُ بالبُكاء وكأنني لم أبكِ لِعقود.

لم أعي تمامًا مالذي أصابني في تلك اللحظة، فلم يكُن ما يحدث معي أمرًا مألوفًا في الأساس، فهذه الدموع!... كأنني أراها للمرّة الأولى.

رفيقُ الحانةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن