~الفصْل الأَخير: خاتِمَة مُعطَّرَة~

57 11 9
                                    


جماجمٌ أخرى ودماءٌ رحَّبوا بي بحفاوةٍ فوْر دخولِي إلى البيْت، قاطعَ تحديقي إليْهِمْ دنوُّ رجلٍ إِليْنَا نابسًا ب
:«في الخارجِ تحذيرٌ ليعودَ الخائنُ أدراجَه، وفي الدَّاخلِ فرصةٌ ثانية، ولكن، ورغم كل شيء، تلك الرؤوس هي رؤوس من لم يجدي معهم التحذير.»

جلدُهُ مُفعمٌ بالتَّجاعيد، وعيناهُ مفعمتانِ بالأسى، قامتهُ قصيرة، وشعرهُ هجر رأسه، فشككتُ في أنَّه هو من دعاني إلى هنا عن طريق الصومعة، وهو الوزير لقدرتهِ على فِعْلِ ذَلِك، قبل أن يؤكِّد شكوكي بكلامه
:«إذن أنت هو الزائر المجهول؟ مرحبًا بك هنا، أنا وزيرُ جزيرة الانعِتاق، اتبعني من فضلك.»

سرْتُ خلفهُ في صمْت إلى أن وصلْنا إلى غرفةٍ ما في الطابق الثَّاني، دلفْناها بهدوءٍ مُبرَّرٍ، فبداخِلِها ترقدُ فتاةٌ على سريرٍ واسِع، وجهُها شاحب، جسدُها نحيلٌ عجزَ عقلي على إيقاف تخيُّلات انكسارهِ اليَسير، وشعْرُها أسْودٌ فلوحِظَتْ فراغاتُه، أمَّا بالنسبة إلى سنِّها، فهي أكبر منِّي بعدَّة سنوات

دعاني من استنتجتُ أنَّه والدها إلى الجلوسِ على مقعدٍ مجاورٍ لسَريرِها بلطفٍ شَديد، فإمَّا أنَّه ليس الوزير المغول الذي أمر بقتل جاسر بوحشية، وإما أن شيئًا ما كسرَ ظهْرَه

-لقدْ أُصيبَتْ ميرْهانْ بأرقٍ شبه دائِم وفقدان شهيَّة بعد أن كادَت أن تموتَ بالفعل قبل أربعة سنَوات، عادتْ إليْنَا وهي تقولُ أمورًا غريبَة، لكنَّ أنشودتكَ أراحتْها كثيرًا وشعرت بأنَّك المنشود ونامت بعمقٍ كلَّما سمعَتْها، بيد أنَّ حالتها قد ساءت كثيرًا مؤخَّرًا

-كلام غريب؟ مثل ماذا؟

-كلامٌ مثل الشر والعذاب، المرور بنفقٍ حتَّى الوصول إلى نور أبيض، الحقيقة المخفية، ورغبتها الملحة في فهم ما رأته، والرَّاحة المُنتظرة شرْطَ اكتشافها للحقيقة.

أمسكَ بيَدِها فاستيْقظَتْ وتهلَّلت أساريرُها فور أن وقع عليَّ بصرُها، ثمَّ نهضتْ عن سريرِها وأمسكتْ بيديَّ سائلةً إياي بلهفة
:«أنت هو المنشود؟.»

حاولتُ سحب يديَّ اللَّتيْنِ ارتجَفتَا بلطفٍ، فاستجابت إلى حركتي خجِلَة معتذرَة
:«أعتذرُ مِنْكَ بشدَّة، لكنْ هلْ يمكنُكَ مساعدتي؟ هل يمكنُكَ أن توجِّهَني إلى الطَّريق الصحيح؟»

ابتسَمْتُ بلطفٍ قدر المُستطاع لأكسبَ المفتاح إلى قلْبَيْهِمَا، ثمَّ نبسْتُ بكلامٍ أعنيه جيِّدًا:

-المشاعر التي تملَّكتك الآن كالرِّمال المتحرِّكة، لوْ استسلمتِ لها تبتلعك، ولو سرتِ ضدَّها وقاومتيها تنْجين، لكنَّ سلاح المقاومة ليس عندي أو عند أي أحد، فمالكهُ هو الأحد.

-الأحد؟

-اللَّه، إلهي الذي أعبده، الذي خلقني ذا صوتٍ شجيٍّ لامس قلبك، الذي شرح قلبك، وأوصلني إلى هذا المكان الآن فقط لمساعدَتك.

~إدْراكُ النِّداء~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن