وبدايتنا سوف تكون في الواحد والعشرون من مارس عندما طرت بابي فتاه لم تتجاوز العشرون عامًا.
وسوف أطلق عليها لقب سكر لأنها كانت حلوه تماماً كالسكره.
وعندما أذنت لها بالدخول، والجلوس على المقعد أو ما أطلق عليه أنا قطار الحياه ففي كُل مره يجلس فيه ضيف كُنت أحمل عنه حقائبه واحده تلو الأخرى، و أرافقه طوال رحلته لأصل به لبر السكينة والسلام.
ومع سكره كانت الحقائب ثقيله وكثيره بالنسبه لفتاة مراهقه لذلك كُنت مستعده تماما أن أحمل عنها تلك الحقائب بحذر وأتخلص منها كي تتمكن من الطيران.
وأول حقيبة قمنا بفتحها معًا كانت محتواها هو أعباء الدراسه وهم المستقبل، تحدث سكر عن ضعفها الدراسي الّذي كان يسبب لها الكثير من المشاكل مع عائلتها، فكان محتوى تلك الحقيقه مليئ بالكلمات اللاذعه فتسقط على مسمع فتاة مراهقه كالجبال، فاشله لن يكون لديك مستقبل ناجح؛ اشعر بالسوء لجلب فتاة فاشله مثل، هذه كانت كلمات كالأدوات الحاده على قلب سكر الّتي كانت تدعي أن تلك الكلمات لا تصلها بينما هي تتربع في أعماق قلبها وعقلها.
طوال الحديث كُنت مستمعًا جيدًا وكُنت كشخص بلا مشاعر كالجماد لم أبدي أي تعبيراً، والسبب يكمن بأن البشر بطبعهم يبغضون نظرات الشفقة، فأبقيت تلك المشاعر الّتي تسكنني خوفًا من أن تهرب تلك الكلمات الّتي تخرج بحذر شديد كي لا يستيقظ سجانها فيعدها لزنزانة الكبت.
سألتها بهدوء: ما هي تلك الأسباب الّتي أدت إلى ضعفها الدراسي.
عم الصمت لدقائق في المكان وقبضت على يدها المتعرقه بقوة وكأنها خائفه من أخراج تلك الكلمات وكأن تلك الكلمات مرتبطه بداخلها فلو أخرجتها فقدت السيطره على نفسها.
تحدثت بعد مده وبعد تلك الحرب الّتي حدثت بداخلها بين أقول أو لا أقول: لست شخصًا مشاغبًا أو كارهه لدراسه بل كُنت مجتهده جدًا ولكن في أحد الأيام أو ما سميته اليوم المشوؤم، وقد مر أسبوع كاملًا على أنتقالي لمدرسة جديده فقد كنا نسكن فالريف سابقًا، كنت أمشي في أحدى ممرات المدرسه ورأيت بعض الفتيات يتنمرون على فتاة أخرى، ولأني كُنت جاهله أنذاك عن مدارس المدن كُنت أعتقد بأن التنمر شى سئ ويعاقب عليه ولكن كم كُنت مخطئه. أقتربت منهم وقلت لهم أن يتوقفوا او سوف أذهب إلى المعلمه، كنت متفاجئه من ردة فعلهم البارده وفجأه قاموا بالقهقهه بصوت عالي وطلبوا منِ أن اذهب للمعلمه أن أستطعت، غضبت بشده وظننت أنهم فقط يدعون القوة فذهبت مباشره إلى المعلمه لأخبرها بما حدث، وهنا كانت المفاجئه الثانيه فالمعلمه لم يبدو عليها الأهتمام وقامت بالصراخ علي وأتهامِ بأنِ كُنت خارج الفصل وطلبت منِ العوده لفصلي أو سوف تعاقبني، خرجت ورأيت نفس الفتيات أمامي وكانوا ينظرون ألي بسخريه وكُنت أرى في أعينهم المكر.
وفي صباح اليوم التالي في طريقي للمدرسة قام نفس المجموعه من الفتيات بالأمس بأقافي وسحبوني معهم نحو أحد الأزقه ودفعوني وقاموا بتهجم علي ثم رحلوا من دون حتى النظر.
ذهبت مباشره إلى مكتب المرشد وأخبرته بكُل شئ ولكن قال بدم بارد أنتي المخطأه أنتي من تعرضتي لهم أولاً وأخبرني بأنه لا يستطيع مساعدتي لأن والد أحدى الفتيات الّذين قاموا بالتنمر علي ذا طبقة عاليه.
تدافعت الدموع من عيني سكر بسرعه وكأنها تطلب الحريه، سمعت بين شهقاتها مدى قسوة العالم، و أن مبدأ القوي يفترس الضعيف منتشر والأقسى من ذلك بأن قطعة من الورق هي من تحدد مدى تلك القوة.
وبين حديث متقطع أخذت سكر تخبرني عن أستمرار أولائك فالفتيات بالتنمر عليها وحتى أنهم كانو يطلبون منها القيام بفروضهم لذلك لم تكن تجد الوقت الكافي لحل فروضها، وبأنها قاسة الجحيم في تلك المدرسه ولم تكُن حتى تمتلك صديقة واحده لأنه بأختصار من يكون صديقها يلقى المصير نفسه.
كانت تصف نفسها بالنبذ وبسيئة الحظ فقط لأنها قامت بالفعل الصحيح وهو الوقوف في وجهه الظلم.
كانت وحيده لا أصدقاء وأيضاً لا عائله فحتى عائلتها قامت بتكذيبها وطلبت منها أن تكون صديقه لهم وتعاملهم بلطف لكي يتوقفون، طلبوا منها أن تخضع للذل والظلم وبأنها محظوظه أنها تدرس في مدرسة مثل هذه ولم يتوقفون هنا فكانوا يلومونها على ضعفها الدراسي وعلى حالتها النفسيه وجلوسها المستمر لوحدها.
فتحنا الحقائب واحده تلو الأخرى ومعاناه بعد معاناه،
وأخبرتني أنها لم تأتي إلي ألا بعد أن خسرت الكثير من الدماء وبأنها وصلت لمرحلة الشوق الكبير للعناق الأرض أرادت بشده أن تدفن فيها وتنتهي من هذه المأساه.
ممرننا بالعديد من الزيارات خلال الرحلة وكُنت قد قدمت لها يد العون فطلبت من والديها نقلها من مدرستها وخلال هذه الزيارات عرفت كم أن لقب سكر يليق بها كانت الهبه في يدها فكانت تتعامل مع كُل أدوات الموسيقى بمهاره وكانت تحبها لدرجة أنها احبت الحياه من خلالها ووجدنا معاً الطريقة المناسبه لتتواصل مع عائلتها وكُنت لها خير صديق وعون ووصلنا لنهاية الرحله وودعتني بالدموع وغمرتني بالأحضان.رفضت سكر ألا ان تحمل بعض الحقائب معها لأنها لاتُنسى وبقيت ملتصقه بها ولكنها الآن تعلمت كيفية حملها ومشت نحو طريقها المرسوم بأنملها الصغيره وقالت لي بأن لا شئ يدوم للأبد لا الفرح ولا الحزن ولكن سوف تحلم دوماً بمستقبل مرضي وبأنها لن تهدر دمائها مره أخرى ولن تتمنى أن تدفن كيف تتخلص من أعبائها.
أنت تقرأ
قطار الحياة
Actionأتسائل دومًا كيف تستطيع الأرض حمل الناس بأوزانها الثقيله وأعبائها وحتى بعد موتهم تخبئهم في أحشائها وكأنها تعانقهم بهدوء كيف يختفون بداخلها وتُنسى ذكراهم وتستمر الحياه من بعدهم فتزداد المعاناه والمشقهه، فيهرع البعض منهم على ذلك العناق والبعض منهم يصب...