الشجاع ! ..

46 1 0
                                    

الشجاع !؟ ..

بقلم / الهادي علي الجورني.

أساليب الحياة العصرية بما فيها من كوابيس الحضارة الزائفة اخترقت المبادئ السامية ، وفجرتها قنبلة موقوتة تبعثرت في الطريق أشلاء ممزقة تدوسها أقدام الجبناء ، والشجعان ، والبؤساء ، والحمقى والهمجيين !! ..

.. كانت الأحلام صغيرة .. توضع بالكفين ، فيعانقها الفرح القرمزي على قوس قُزح .. يراقص الأحلام ثم يهادنها .. يلاطفها ، ويبث لواع الشوق فيها .. ويدسها بين خلجاته المغمورة ! .. ولا ينساها !! ..

.. يدخرها لأيام آتية تزهو مع مستقبل باهر !؟! ..

ولكن صدور الشجعان عانقتها بفخر، وتحدي .. وحشرتها صدور البؤساء في تنهدات كسرت تبات الجأش .. فصرخت الدموع تمتزج مع الحزن ، والخوف ثم تتلقفها اليدين قبل أن تسقط في الوحل ! ..

.. دحرجتها صدور الحمقى والهمجيين أضحوكة يومهم ، وطُرف تافهة زجت بها في غياهب الظلام .

.. التقطتها يديه ، وهو يجلس خلف مكتبه الجميل .. عاصرها بكل قوته ، وجبروته ، وعنفوانه ثم حاصرها بقلمه، وورق مكتبه الملون تتدحرج بين السطور .. وفجأة توقفت يده الممسكة بالقلم عن الحركة .. فتسربت من بين أصابعه بتحدي ! .. سقطت يده أمامه ، وتجمدت في مكانها ..

.. تماثلت في مخيلته كل الهواجس المحمومة تدور برأسه كالدوامة ، وبعد برهة تبخرت عبر جيوبه الأنفية .. اتسعت الهوة في ذاته .. فاتسعت حدقتاه بشكل مخيف ، وازدادت سرعة النبضات تهز جسده الثقيل برجات متوالية ! ..

أشاح بنظره نحو النافذة ، وهو يحاول الهروب من ذاته إلى ذاته ! .. تقوقعت الصور الجريحة في عقله بلا رُفات ، وتماثلت تعاند بصره ، وسمعه ، وحس الحركة وهي تناشد الحيرة أن تختفي !..

.. قاوم الخوف بإرادة مغفلة ، ولم يُفلح في تصديق أو تكذيب أي شيء ! .. وهنا لاذ بالفرار يصادق عقله من جديد أن يُشفق على نفسه ليحمي ذاته التي بدأت تتبخر في الهواء ! .. فسراب اليوم ، وغداً قد زعزع قاعدة الحقيقة الهشة التي احتضنها بعينيه ، وحقيقة نفسه الذائبة في مخاض عسير زاول مراحل حياته كقمة سياسية محنك ! ..

.. تراءت سحابة الثراء فوق رأسه تمطره كل يوم بجزء من مال قارون ! .. ولم تكن الأسباب مقنعة !! .. كيف أتت ؟! .. ولماذا ؟! .. لم يتطرق يوماً لمثل تلك الأسئلة التافهة !؟! ..

فجمال الحياة الدنيا تكمن في المال الوفير ، وزهوها يكمن في معاصرة الحياة الحديثة المترفة بغض النظر عن مصدر تلك الأموال بالحرام أم بالحلال .. كله سيان ‍! ..

.. تسابقت الهموم تزاول هوسها المجنون عبر الخواطر .. فتأرجحت هويته تسالم ، وتهادن كل التعبيرات ، والمعايير التي أفسدت كل شيء ‍‍! ..

رجل بﻻ مﻻمح !..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن