الرجل الذي فقد قلبه.

79 7 2
                                    

كان التسكع معه جميل كالمعتاد ولكن هذه المرة مختلف قليلاً حيث أنه الآن مُحكم السيطرة عليَّ نتيجة لرهانٍ سابق كان هو الفائز به، وسيأخذني لأيّ مكان للتسكع، للتسكع فحسب.

- كيف حالك..؟
= أنت لستَ أهلاً لأجيبك على هكذا سؤال.
- أريد الاطمئنان عليكَ ليس إلا.
= إن كنت تهتم حقاً، اُنصت إليَّ وافعل ما اقوله لك.
- حسناً، لكن أتمنى ألا تُفضي هذه الأوامر لشيء جنوني.

كان المشي ممتع، ولطالما كان هكذا وسيظل، لكن يتخلله بعض القلق والتوتر.
كان الأمر يشبه أن أحدهم يمسكك من معصمك ويسحبك في اتجاه معين لكي ترى ما يريدك أن تراه.

- أشعر بأن الأمر سيكون جنوني وأحمق مثلك.
= لا تقلق، عليكَ أن تُثبت لي ولو لمرة أنك تهتم بي.
- حسناً، ولكن إذا كان ما اعتقده صحيحاً ستندم وصدقني لن أفعل لك شيء مرةً أخرى.
= لن يكون.

كان يصطحبني لأماكن أعرفها جيداً، أعرف رائحتها وذكرياتها وكيف كانت قبل أن يأكلها التغيير، وهذا ما جعلني أعتقد بأنه يصطحبني نحو الجنون المطلق.
ولكنه -كما قلت سابقاً- مُحكم السيطرة.
أخذني لمكانٍ أعرفه جيداً، أحبه ولا أحبه، أو بمعنى آخر، أحبه دائماً ولا أحبه أحياناً، لكن في هذه اللحظة والآن بالذات لا احبه.

- حقاً، هل أنت جاد! أنا لا أصدقك، ولن أفعل ما تريد لأني اعتقدتُ منذ البداية أنك ستفعل هذا. هل أنت مجنون حقاً..؟!
= انتظر انتظر، لا ترحل، توقف، لا تنسى أنني المسيطر الآن، انتظر، أنا فقط أريد نظرة واحدة، واحدة فقط.
- لا أنت مجنون، لن اسمح لك، هيا لنرحل.
= أرجوك انتظر، لقد سألتني كيف حالك من قبل وعليك أن تحصل على إجابة، وهذه الاجابة هنا، في هذا المكان بالتحديد.
- لكنك قلت لي أنني لستُ أهلاً للإجابة، لذا لا انتظرها ولا أريدها.
= ألا يستطيع أحد المزح معك، أيها الغبي، انتظر رجاءً.
- كم أنت أحمق، سأنتظر ولكن بشرط.
= رغم قبولي به، ما هو ؟!
- ألا ترانا، لا اريدها أن ترانا معاً ولا أن ترانا من الأساس.
= حسناً لكَ هذا، تعالى هنا سنقف بجوار هذا الجدار، مكان جيد للاختباء وللرؤية.

اختبئنا معاً خلف جدار، من هذا المكان نستطيع أن نرى الشرفة جيداً.
انتظرنا حوالي ساعة كاملة، فيها سألته عن سبب وجودنا هنا، ولكنه كان صامتاً لا يتحدث إلا قليلاً، يرمي الكلمات كما لو أنه خائف من أن تنتهي وتنفذ، وعيناه التي لا تفارق الشرفة خوفاً من أن يفوته شيء.
خلاصة ما حاول قوله لي هو أنه يحب أن يراها، يشفى برؤيتها، يطمئن، يشعر بنفسه، بالحياة وبالوجود، يحب العالم، والناس، فقط برؤيتها، رغم الألم الموجود والأحزان المريرة إلا أن كل هذا يزول بنظرة، كما لو أن في الأمر سِحر.

بعد ساعة ونصف بالتحديد، كان باب الشرفة يفتح ببطيء واللهفة كانت تُغرق عينيه، شعرنا معاً بنسمة الهواء الباردة رغم الحرارة المرتفعة قليلاً، وظهرتْ هي.
كانت تنظر في كل اتجاهٍ، وإلي السماء احياناً، كانت أجمل من السماء.
كان هو بجانبي ورغم ذلك شعرت به طائراً يحلق في الأفق، كم كان غارقاً في حبها، وكم كان مليئاً بها.

- يكفي، هيا بنا سترانا.
=....
- كفى يا أحمق سترانا، هيا بنا الآن.
=....

وأنا انظر ورائي خشية أن يرانا أحد، عاودت النظر إليه مجدداً لم أجده.
- آه، ها قد فعلها، لقد ذهب إليها.

رأيته يمشي ببطيء أسفل شرفتها، يتمنى أن يحلق ولو قليلاً ليصلها ويقبّلها، أن يقول لها "أحبك" مثل روميو.
لكن الغريب انها لم تراه، ما زالت تنظر في كل اتجاه ولا تراه.
رأيته ينظر نحوي بتردد وقلق، لوّحتُ له لكيّ يأتي سريعاً وأن نذهب فوراً قبل أن يرانا أحد.
فركض نحوي مسرعاً؛
= هيا هيا علينا أن نذهب، هناك أحد يفتح باب البيت.
- ما الذي فعلته أيها الأحمق، لن أتبعك ثانيةً في شيء.
= فعلت ما فعلته لكيّ تحصل على إجابتك أيها الغبي.
- إن كان هذا السؤال نتيجته هكذا، لن اسألك مجدداً، ولتذهب للجحيم أنت وحالك.
= إذاً أنت لا تهتم بحالي حقاً، أليس كذلك؟
- اخرس، ولنرحل من هذا المكان.

مشينا معاً وعندما كدنا نصل للبيت سألته؛
- هل ستعطيني الإجابة أم لا..؟
= هل تريد الإجابة لأنك مهتم بحالي حقاً أم أنه كان مجرد سؤال..؟
- أنت تعرف جيداً أنك مُهم بالنسبة لي، فلا تكن أحمق أكثر، واعطني الاجابة.
= حسناً، رغم أنك تعرف حالي، أنا الأن بخير، أو علي ما يرام، تستطيع أن تقول بصحة جيدة، لكن هذا الآن فقط، لكن حين سألتني لم أكن كذلك. هذه هي الاجابة.
- هذا جيد وبالتأكيد لأنك رأيتها، أو بسبب النظرة.
= نعم، هذا صحيح، أنت ذكي أيها الغبي.
- اسمح لي بسؤالٍ آخر.
= أتمنى ألا يكون مثل الأول، تفضل.
- عندما كنا هناك، كيف لم تراك، رغم أنك كنت بمنتصف الشارع، وأسفل شرفتها، كيف لم تراك أو تشعر بك..؟!
= أظن أنك الآن مجنون يا عزيزي، حتماً مجنون.
- متى ستتوقف عن هذا الذم، تكلم بجدية ولو للحظة.
= أنا اتكلم بجدية، أنت مجنون حقاً، ألا تعرف من أنا أم أنك نسيت أم تتظاهر بالعمى..؟!
- أرجوك اعطيني إجابة واضحة وصريحة، وقُل لي من أنت لعلي حقاً أعمى.
= أنا قلبكَ يا عزيزي، هكذا ببساطة، أنا ق ل ب ك.

فجأة رن الهاتف، واختفى من يدّعي أنه قلبي..
- آلو..؟
≈ متى ستتوقف عن مطاردتي، قلت لك لا تأتي عند بيتي، أنت مجنون، مجنون، هل تفهم؟، أنت مجنـ..

أغلقتُ الهاتف، وعيني مجدداً.

***

الرجل الذي فقد قلبه.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن