المقدمة
"استمر الذعر في صدري، و لكنني اعتدت على الكوابيس، فأنا لا شيء اذا لم اكن قابلا للتكييف، ما وجدته أكثر رعبا من الحقيقة كان الصوت في راسي يقول لي بانني لن اسمح لايأنا بالذهاب، امراتي، الخاصة بي و ملكي للابد، اذا كنت تتنهد من الرضا فأنت اما مريض او انك لا تدرك خطورة الموقف، بينما أنا لم اعد اهتم، فأنا اظل قاتل و القاتل في الحب بكل صدق في القول فهو امر فظيع للغاية "
أنتصب بهيئته الشامخة داخل الغرفة المكيفة امام النافذة المغلقة ذات الاطار المصنوع من الالمنيوم و الذي يحوي زجاجا فضيا شفافا عاكسا للصورة بحيث يمكنه رؤية الخارج بوضوح و الذين في الخارج لا يمكنهم رؤيته ، يبدو في مزاج هادئ و لا ينطبع على وجهه اية ملامح بينما يحدق في الخارج و هو يفكر بعمق دون توتّر ، مركّز في تفكيره بثبات دون تشتت ، بالرغم من ان هذه العملية خطيرة و يمكن ان تتعرض للفشل و رجاله سيقعون في ورطة و لكن هذا لا يشكل له مشكلة لأنه ملك الغابة و ملك الغابة يبقى دائما مسيطرا على الاوضاع التي تدور من حوله بسيطرة تماثل قوة اسمه تماما ..
هذا اليوم مشمس والحرارة شديدة في الخارج، عينيه مغلقة قليلا بفعل اشعة الشمس التي خرقت النافذة وعكست فيهما بينما ضاقت حدقتيه واشتدّ بريق لون عدسته الحاد، فمه محكم الاغلاق وفكه مشدود بينما هو ينظر الى انعكاس وجهه في الزجاج دون تعبير.
رفع يده اليسرى ببطء ثم وضعها في جيب سرواله الاسود الأنيق بينما قام برفع يده الاخرى ليقرّب السيجارة الكوبية لفمه وقام بامتصاص النيكوتين داخلها على مهل مهله ثم زفر الدخان من فمه ببطء، لم يستهوي اهتمامه اي شيء في الشارع الذي يراقبه، لا أحداث فيه ولا مشاهد تستدعي أنتباهه، لا أحد يمر على جوانبه ولا سيّارة تعبر منتصفه، لقد اختار مكأنا يكاد يكون خاليا من البشر بسبب مبانيه القديمة التي تفتقر الى العناية والتشييد منذ الاستعمار الفرنسي.
رفع راسه قليلا واعدل وقفته اذ به يندهش وتتسع حدقة عينيه، تامل المشهد الذي امامه لبرهة مضيّقا جفنيه ليدقق الرؤية أكثر فلمح حركة غير عادية في الطابق الذي يقابل نافذته في نفس الشارع.
- سنيور آرورا ، ماذا سنفعل الأن ؟ ..
لم يرد عليه لأنه في الحقيقة لم يسمعه فالمشهد الذي جذب نظره هو من جذب تفكيره اليه و قام بتعطيل بقية الحواس الاخرى فاعاد رفع يده من جديد و امتص عمود السيجارة و هو يتابع المشهد الذي امامه بكل اهتمام .
يوجد صالة رقص تفتح على الشارع الذي يفتح بدوره على المكتب الموجود فيه ، تقبع فوق جدار هذه الصالة لافتة مكتوب عليها بالحروف الفرنسية كلمة " الحورية " ، لولا الستائر الاسبانية ذات اللون العنابي التي فتحت على جانبيها لم يكن سينتبه الى تلك العروس الحمراء التي تتحرك امام عينيه الأن ، كذلك النوافذ الزجاجية الشفافة هي من سمحت له برؤية تفاصيل القاعة من الداخل بكل وضوح
كانت القاعة كبيرة، مستطيلة الشكل و تنقسم الى اربعة حيطان و اربعة زوايا فارغة ، تحتوي هذه القاعة على بلاط ارضية املس مصنوع من الخشب البليت المصقول يسهل عليه الرقص و التحرّك بسهولة كما تتواجد فيها مرايا فضية مثبتة على طول الحائط اما عن الحائطين الاخريين فثبتت عليهما وسائد خشبية للباليه يستخدمها الراقصون للدرس و التحمية امّا في اخر القاعة فرصفت فيها ادوات رقص الباليه بينما احتلت خزانة الملابس زاويتها .
كانت القاعة فارغة تماما يهيمن عليها حضور ساحرة فقط تتفنن باداء حركاتها الاحترافية و هي تتقدّم و تتراجع بخطوات مدروسة و تدور في المكان و كانها ملكته ، راسها مرفوع و ذقنها منتصب باستعلاء بينما تقوم بتحريك جسدها بخبرة ، فهي تملك جسدا شديد الاغراء، شديد الفتنة مما يجعل جميع رؤوس الرجال تنحني اليه متوسلة للحصول عليه ..
تلك الفتاة يافعة الجمال، ناضجة الجسد، ترقص بعنفوان واستسلام لاحاسيسها المتوهجة، فتاة تملك جميع مقومات السحر لشدة فتنتها، ترتدي ثوبا حريريا احمر اللون
يضيق على جسمها العلوي وصولا الى وركيها فاوضح اليه كل تفاصيل جسدها المغري الذي لم يخفي عنه مدى الاثارة التي تملكها، اذ انها تمتلك تقوسا في ظهرها بما يقارب خمس واربعون درجة مما ادى الى بروز مؤخرتها المشدودة، هذا هو التفصيل بالذات الذي يفضله ويرضي رجولته بالكامل.
بقي مشدوها بحركاتها، بتفاصيل جسدها المرن ونسي بالفعل موقعه، نسي حضوره وحضور الناس المحيطين به، فقد أنتباهه لاي كائن غيرها لأنه لم يعد واع باي حديث يدور من حوله، لأن أنتباهه مسلط فقط على ذلك الجسد الذي يتمايل امامه والذي يتحرّك بمرونة مع شرائط ثوبها التي تتراقص مع تراقص خصرها تماما.
لعن في نفسه دون شعور:
- من هذه؟ من اي كوكب نزلت؟ ، اللعنة على ما يحصل لي! ..
لم يستطع ان يتبيّن ملامح وجهها لبعد المسافة التي تفصلهما عكس تباين جسدها امامه، جسمها المتناسق، خصرها والمنحنيات التي تحدد وسطها جعلوا لبه يسلب بالكامل ولكنه رغم ذلك واصل متابعة فنها بكل أنتباه وتركيز لديه.
ادارت جسدها للنوافذ بعدها تقدّمت خطوتين ثم رفعت يدها اليسرى امام صدرها العارم الشبيه بفاكهة الرمان وقامت برفع اليد الاخرى امام وجهها بعدها قبضت اصابعها على كفيها وكانها تمسك أحدا ما فحرّك حاجبيه مستغربا من حركاتها الغريبة التي اثارت فيه الدهشة مما جعلته يصيب نفسه العديد من اللعنات:
- بحق الجحيم هل ترقص مغمضة العينين وكانها. اللعنة اريد ان افهم ما الذي يحصل.
توقف عن الهذيان غير مستوعبا لما يحصل معه.
توقّف عقله معها تماما.
فهو لم يحصل له يوما ان يقع في سحر راقصة ترقص امامه بهذه المثالية ، ترقص مغمضة العينين و تتحرّك و كانها مخدرة و كانها تسرد قصةً و تحاكيها بجسدها ، واضح له من خلال حركاتها بانها رقصة كلاسيكية، رقصة التانغو بالذات و كيف لا يتعرّف على اسمها و هي نابعة من جذور ارضه و كيف لا
تجذب أنتباهه بهذا الشعر العسلي الطويل ، انه افضل شعر يلمحه في حياته ، املس ، كثيف و طويل جدا قامت برفعه في شكل ذيل حصان و ربطته بشريط احمر حريري بينما كان مشدوها بالمشهد الأنثوي الساحر امامه.
توقفت الفتاة فجاة و فتحت عينيها ليتوقّف قلبه معها على الفور و يتصلّب جسده غريزيا توترا دون شعور فاتسعت حدقة عينيه ذهولا و كان هذه الفتاة شدّته بالجرم المشهود و هو يراقبها بكل هذا التمعّن و الذهول و لكن الزجاج الذي يشاهدها من خلاله لا يعكس الصورة في ضوء النهار و هذا كان في صالحه ، لم يحصل له من قبل ان يستسلم لأحد او يستسلم لأنثى بالذات ، لم ينحني لاي فتنة امراة خلقت على وجه هذه الارض و لكن هذه الفتاة ليست مثل اي فتاة ..
انها طاقة من العنفوان. انها كتلة من اثارة متنقلة، انها قوة وصمود.
انها كتاب يجب ان يفتح، انها جسد غامض يجب ان يدرس تفصيلا تفصيل، انها لغز تضم عالما اجمع فبالمختصر المفيد يجب ان يكتشفه عن قرب وهو الوحيد من سيقدم على هذه الخطوة حتى يُُمنح اليه هذا الشرف.
هل يعقل من عدة حركات قامت بها ان يتوصل الى استكشاف كل خفاياها؟
نعم، عالمها يكمن بين حركة وحركة، بين تمايل على اليمين وتمايل على اليسار، بين عزم وتراخي، وكانها تصارع تارة وتستسلم تارة، وكانها تتمرّد تارة وترضخ تارة، انها تحارب نفسها ولا ترقص وهذا بضبط ما وضّح له من تقييمه لها وهذا ما يريده منها بالضبط، العنفوان.
قامت بانزال ذراعيها و سمحت لنفسها بالتنفّس بسرعة حتى تستجمع طاقتها من جديد امام عينيه التي تبصر وكانها بهذا الفعل سمحت له بتاملها بكل حرية و استمتاع ، خفقة وأحدة قوية فقط قد خفقها قلبه اثر مشاهدته لها ، هيئتها تسحر العين و تستسلم لها النفس دون وعي فبشرتها البيضاء الحليبي حرّكت فرشات معدته و ايقظت غريزته كما حرّكت رجولته المستعرة من الداخل ، جمالها الفاتن ، سرها ، عالمها و رشاقة جسدها ، كل هذه التفاصيل الأنثوية خلقت فيه الرغبة في ان يملكها و تصبح له ، تخصه لوحده دون غيره، تلك التونسية تحمل سحرا خاصا جدا ، فتنة مميزة و جمالا استثنائيا يختلف عن غيرها النساء الاتي مررن على حياته ..
انه يريدها حقا، يريد اكتشافها عن قرب، يريد التمرّغ في عالمها واستطلاع كل صفحاته ليتعرف عليها كما يجب.
امتص اخر عمود السيجارة الذي تبقى منها و هزّ اكتافه منتصب الراس فالتوت شفتيه قليلا لتظهر على وجهه ابتسامة غامضة تخفي ما ينوي اتجاهها فتوهجت عينيه الداكنتين ببريق مظلم يعكس المخطط الذي عزم عليه ، مخطط دقيق و محكم التصميم سيقوم على تغيير تفاصيل حياتها باكملها حينها سيتم انقلاب السحر على الساحرة فمن الأن و منذ هذه اللحظة اقسم بينه و بين نفسه ان حياتها بكل تفاصيلها و بكل كينونتها ستكون ملك له ، ملك فقط لملك الغابة الذي يحكم العالم السفلي و العلوي بسيطرته ، عندها ستكون مستسلمة لقوانينه ، لقواعده و احكامه بكامل ارادتها ، الصورة التي تقبع امامه الأن سيبقى يتذكرها لاخر يوم في حياته و شخصيا سيعرف منها ما سر ذلك السحر الذي تحمله ؟ ، ما سر وراء ذلك الشرود ؟ ، ما السر وراء عنفوانها ذاك ؟..
التوت شفتيه أكثر وظهرت على وجهه ابتسامة جانبية خبيثة قبل ان يحرّك جسده ويتلفت على جنب حينها وجد جميع رؤوسهم موجهة اليه وعلامات الأنشداه تملا ملامح وجوههم جميعا بينما التساؤلات تملا نظراتهم كلها لكنه لم يكن يكترث لهم ولم تظهر عليه اي خطوط او قسمات تدل على تاثرّه.لا تنسو الضغط على النجمة للتصويت للرواية ❤️
ومتابعة الحساب لتصلكم اشعارات باقي الروايات❤️
أنت تقرأ
جحيم آرورا_ أميمة معرف
Romanceباللغة العربية الفصحى نيرمين بن عطية الفتاة التونسية الشغوفة برقص الفلامينكو ، يتم خطفها بطريقة غامضة من قبل اشخاص غامضين لشخص غير معروف الهوية عندما استفاقت من المخدر تجد نفسها هي و شقيقتها الصغيرة وسط جناح فخم في قصر و المريب في الحكاية " ان هذا...