الثاني

1.5K 20 5
                                    

ابتلع أحد منهم لعابه وسأله بريبة:
-    سنيور آرورا ما رايك في الاقتراح؟، هل اعجبك؟ ، نحن ننتظر ردّك سنيور ..
ابقى نظراته المهيمنة عليهم جميعا ثم أجابه بصوت ثابت:
-    لقد تغيّرت الخطة، قوموا بتحضير اقامتي في القصر الموجود هنا، ساخذ شيئا يخصني ومن ثم   سنغادر بعدها ...
***
في الحاضر،
-   اف، غير معقول، بحق الله ما الذي يحدث لي؟ هل اصبحت اتوهم مثل المجنونة او بالفعل هنالك من يراقبني مختفيا !!، يا خالق السنوات والارض، متى اصل الى البيت؟، اني ساجن عن قريب هنا يا الله.
تمشي وسط الشارع وهي تتكلّم مع نفسها كالمجنونة لكنها حقا ستجن لغرابة الأحداث التي حصلت معها في الايام الاخيرة وهي تحرّك في اقدامها بصعوبة لتشنّج جسدها كما ان الخوف يعتري قلبها من شدة الهواجس التي تشغل بالها هذه الفترة كما انها لم تلتفت ابدا طوال الطريق خشية من الضلال التي تتبعها لأنها لا تريد ان يتم كشف امرها وتقع في ورطة لا خروج منها لكن قلبها بالفعل يكاد ان يقع من شدة القلق.
استنشقت كل الهواء الدائر في الجو المحيط بها الى ان تقدّم صدرها الى الامام ثم زفرت بقوة من فرط التوتر، انكمشت اصابعها على الاكياس المليئة بمحتجات المطبخ بعدها اخذت تتامل الشارع من كل جوانبه وتنظر للاسفل لعلها تكشِف ظل أحدهم يتبعها من الوراء لكن ولحسن الحظ لا يوجد شيء يدعي للهروب لكن عقلها يابى التوقف عن التفكير فاسرعت في السير لتصل الى شقتها في اسرع وقت ممكن.
حين وصلت امام باب الاقامة التي تسكن فيها انحنت لتضع الاكياس على الارض واخرجت المفاتيح من حقيبة اليد، قامت بتامل الشارع من كلا الجانبين وعندما لم تبصر أحدا فيه تنفسّت الصعداء ثم فتحت القفل ودلفت الى الداخل.
-   يا الهي لم اتصوّر يوما ان هذا سيحدث لي، اقسم لك ان هنالك حركات غريبة تحصل بالقرب مني يا نورهان، اني غير مطمئنة لما يجري من حولي مؤخرا! ..
مستندة على طاولة المطبخ وهي تتحدث باقتضاب في مواجهة شقيقتها المنشغلة بتسخين العشاء على الغاز بينما ملامح القلق تشوب وجهها لكن نورهان انصتت الى شكاواها المعتادة بتركيز تام دون ان تقاطعها
اطفئت النار وادارت جسدها اليها ثم صارحتها باستنكار وهي تحرك حاجبيها بعدم تصديق:
-   صدقيني، أنت تتخيلين في اشياء غير حقيقية نيرمين !!، ما معنى الذي تقولينه بحق الله؟، هل يعقل ان تسمعي خطوات من ورائك وعندما تلتفتين الى الخلف لا تجدين أحدا؟، هل اصبحت الاجساد سرابا فجاة !!، بالله عليك قولي لي، هل كل سيارة تمر من امامك يعني انها تتبعك !! هذه فعلا تسمى هلوسة باتم معنى الكلمة، أنت فقط تقومين بازعاج نفسك لا غير ايتها المهووسة.
ازداد حنق نيرمين حينها فردّت بصراخ محرّكة يديها بانفعال:-   ما معنى الكلام الذي قولتيه لي للتو؟، هل تراني مجنونة قد فقدت عقلها امامك!، قوليها وارتاي، هذا ما كان ينقصني فعلا !!
زفرت بقوة لتهدئ من روعها قليلا ثم واصلت حديثها بنبرة اقل عصبية وهي تلوح بيدها امامها:
-   هل يقودون الأناس الشعبيون الذين مثلي ومثلك سيارات سوداء ذات زجاجات سوداء ويكون كل شيء فيها اسود؟، قولي لي! وهل البدلات السوداء يرتادوها الرجال الطبيعيون؟، وهل النظارات السوداء يرتادونها الرجال العاديون ايضا؟، هل مرور هذه السيارات امامي كل يوم يمثل امرا عاديا بالنسبة اليك؟، شغّلي عقلك قليلا ايتها الذكية!
خاطبتها ببطء حتى تجعل شقيقتها تستوعب خطورة الوضع الذي هي فيه ولكن هيئات وكانها تخاطب حائطا سميكا امامها فازداد التشنّج بينهما.
كانت نورهان في حالة انزعاج من علو صوت شقيقتها الكبرة فهدرت بنفس الأنفعال:
-   لماذا تصرخين علي؟، ما دخلي أنا فيما يحصل لكي ها؟، وما ادراك أنت بتلك السيارات ان كانت لأناس طبيعيين او قد تكون لرجال الشرطة؟، ا لا يملكون رجال الشرطة سيارات مشابهة ذات نوافذ سوداء ايضا؟ اسكتي. اسكتي. لقد أنتفخ راسي من سماع نفس الموال كل يوم، لقد سببت لي صداعا بسبب خوفك المفرط هذا !! ..
ارتفع حاجب نيرمين بتضايق وكوّرت شفتيها ثم مطّتهم وهي تردف بحنق:
-   وهل رجال الشرطة يملكون سيارات «Rolls Royce» ايضا يا ذكية؟
ارتفع حاجب نورهان بالمثل وردت عليها باستهزاء:
-   ها وتعرفت على نوعها ايضا!، صدقا لهذا القول، لا يقدر عليك غير الله يا اختي.
ازداد التواء حاجبي نيرمين وهي ترد على شقيقتها:
-   هل اصبحت تسخرين من كلامي الأن!، ماذا تريدين مني ان افعل في هذه الحال؟، نعم، لقد تاكدت من نوع السيارات بالفعل واؤكد لك ان هؤلاء الذين يراقبوني هم اتباع أحد عصابات المافيا.
اغمضت نيرمين عينيها ثم تنهدت وهي تقول باسى:
-   لا يشعر بالجمر الا من يدهس عليه حقا.
لقد غضبت جدا من برود شقيقتها الصغرى معها فتحركت من مكانها واخذت كرسيا لتجلس عليه ثم وضعت مرفقها على الطاولة ومررت اصابعها المرتعشة على شعرها بعدها قامت بوضعه على كتفها الايمن وهي تقول بصوت يائس:
-   لم اتوتر هكذا من قبل يا الهي، اشعر وكان شيء ثقيل يكبس على صدري هنا ...
اشارت بيدها الى اين موضع قلبها ثم رفعت بصرها الى شقيقتها وحادثتها بصدق:
-   أنت لازلت صغيرة يا نورهان، لا تدركين الخطر الذي يمكن ان نتعرض له في اي دقيقة وساعة ويوم في هذه الحياة!، فاذا لم تحذري، اذا لم تشكي، اذا لم تنتبهي، اذا لم تقسي وتكونين قوية ولديك شخصية صعبة لتضع الناس عند حدودهم سيدمرونك لضعف شخصيتك وهشاشة موقفك امامهم، لن يرحمك أحد يا نورهان، انهم متعقبون، متلصصون، فضوليون، حاقدين، لا يريدون الخير الا لأنفسهم واذا شعروا بضعفك وخوفك لن يتهاونوا على سد الضربة اليك واحيأنا تكون الضربة مميتة لكِ يا عزيزتي ...
أومأت براسها وهي تحرّك حاجبيها الايمن بينما تقول باسى:
-   العالم ليس امنا، اختي العزيزة، صدقيني، خوذي نصائحي بجدية أنا شقيقتك الكبرى وأكثر منك وعيا ...
ما ان أنتهت من كلامها اخفضت راسها على الفور وظلت تنظر للاسفل بشرود لأن كل كلمة قد تفوهت بها تحمل ذكرى محددة قد تركت في ذاكرتها وفي قلبها اثرا عميقا يصعب نسيانها.
مطت نورهان شفاهها وتنهدت بعمق قبل ان تاخذ من جانبها كرسيا وتجلس عليه ثم ادارت جسدها اليها وامسكت يد شقيقتها قائلةً بصدق:
-   اختي انني قلقة عليك حقا ولكن ...
رمقتها نيرمين بحدة قبل ان تنتفض من الكرسي واقفة بعصبية ثم سارعت بالقول حتى لا تنفجر في وجهها، صدقا من شدة الأنفعال الذي كبتته طوال هذه المدة:
-   ساذهب الى النوم، لا فائدة من الحديث معك أنت بالذات.
نهضت نورهان بلهفة لتوقفها ونادت عليها مترجيةً:
-   ِاختي، أنتظري ارجوك.
التفتت اليها نيرمين على الفور وهي تجيبها بنفاذ صبر:
-   ماذا؟
التويت شفتي نورهان بعبوس وهي ترد عليها:
-   اختي ساسالك سؤالا منطقيا واجبيني بكل صراحة.
ثم سالتها بحيرة:
-   هل المافيا او العصابات يتعقبون الشخص لايام او لاشهر دون ان يفعلوا له شيئا؟، اعلم انهم يخطفونه مباشرة وينتهون من الامر! هذا المنطق ا ليس كذلك؟
أجابتها نيرمين بصدق:
-    صحيح اكملت نورهان:
-   سأنتقل الى السؤال الثاني، الا تشكين بأحد الرجال الذين رفضتهم من قبل؟
اطلقت نيرمين ضحكة مستنكرة ثم ردت عليها بسخرية:
-   شقيقتي العزيزة، أنت فعلا سخيفة لأن الرجال الذين مروا بحياتي لا يستعلمون هذا الاسلوب ولا يلتجئون الى التعقب لجلب أنتباهي فهم يوجهونني مباشرة دون مقدمات، فلذا احذفي هذا الاحتمال من بالك نهائيا ...
لم يظهر اي تعبير على وجه نورهان وابقت نظراتها الجامدة على عيني شقيقتها ثم قالت:
-   نيرمين، اختي الحبيبة، لنقطع الشك ونقوم باخبار الشرطة وينتهي هذا الموضوع ...
لم يتحسن مزاج نيرمين فاختارت ان تدير ظهرها للحائط حتى تستند عليه قائلةً بسخرية:
-   الشرطة نعم، انهم اوغد البشر، يماطلون في اداء واجبهم او يتجاهلوك من الاول، هاتان مهماتهما الرئيسية ...
ابتسمت باستنكار وهي تضيف بحزن:
-   اشعر بظواهر غريبة تحدث من حولي منذ السنة الفارطة مثل هذا الشهر وليست في هذه الفترة فقط، اشعر وكان شيئا مريبا سيحصل لنا عن قريب يا نورهان! ...
زفرت نورهان بقلة حيلة وهي تعلق على كلام شقيقتها:
-   اختي، أنت من أكثر البشر تعقيدا بصراحة، لم استطع ان افهمك او اتفهمك او اتوصل الى معرفة كيف تفكرين صدقا!
نظرت لها نيرمين بوجه عبوس ثم أجابتها:
-   حسب ظنك يا اختي العزيزة، ما الظواهر التي تشهدها الراقصة مثلي كل يوم، قولي لي! ؟
تنهدت نورهان وكتّفت يديها ثم لوت شفتيها على جنب بينما تقول بوجه مكشر:
-   نعم، اعلم، لطالما اشتكيت من افعال الذكور المزعجة لكِ وهذا بالذات ما اريده ان اوصله اليك يا شقيقتي العزيزة.
اخفضت راسها مفكرةً ثم رفعت حاجبها قليلا وسالتها بتشكك:
-   نيرمين، اعلم ان لسانك حاد جدا وتقولي الصراحة امام الوجه مباشرةً ولا تخشين أحدا فصارحيني، هل ازعجت أحد المتحرشين بك او شخصا يريدك بقوة فقمت باحراجه بوقاحة لسانك كالعادة؟، لهذا وضعك في راسه وقام بتعقبك.
رفعت نيرمين راسها الى الاعلى وهي تعض طرف شفتها السفلى لتفكر في كلام شقيقتها بتمعّن فحرّكت مقلتيها على كلا الجانبين لعلها تحصل على نتيجة ولكن ذاكرتها خأنتها للاسف فاقرّت باستسلام:
-   لا، لا يوجد اختي، لم اعد اتعرض الى ازعاجات مثل قبل!
ارجعت بصرها الى شقيقتها ثم افصحت:
-   اختي، لم يعد الرجال يترددون الى كثيرا ولم اعد ارى اصرارهم على مواعدتي او الارتباط بي كالسابق، اصبحت أكثر تحررا الأن، اظن ان صدي لهم قد اتى بنتيجة!
ظلت نورهان صامتة بحيرة اما نيرمين فتنهدت قائلة بتعب:
-   الهي لقد تعبت من التفكير حقا ...
تنهدت نورهان مثلها ثم قالت وهي تتاخذ وضع الجدية:
-   كفاك تفكيرا اذن وهيا لنجهز طاولة العشاء.
تنحنحت نيرمين وأجابتها بفتور قبل ان تغادر المطبخ:
-   لا اريد، لم يعد عندي شهية لاي شيء، ساذهب الأن لاقيم فروض الصلاة التي فوتها طيلة اليوم.
استدارت نورهان وهي تقول باستسلام:
-   حسنا كما تشائين ...
دخلت نيرمين لغرفتهما واغلقت الباب ثم توجهت مباشرة الى الفراش ونزعت معطفها الكشميري الاسود ثم انحنت حتى تنزع فستانها الاسود مثله مثل سواد ذكرياتها ايضا، أنتهت من نزعه ونظرت للمراة المعلقة على الحائط، حدقت بجسدها وبتعاليمه بجمود وهي لا تزال تحمل فستانها في يدها ثم استدارت لتطالع تلك الفراشة السوداء المرسومة في منتصف اسفل ظهرها ثم همست بياس:
-   كيف ساتخلص منك ومن اين ساجلب الخمسة عشر الف دينار لازيلك، لأنك نحس علي من اليوم الذي وشمتك فيه ...
بالرغم من انها تكاد ان تنسى شيئا اثمه بكاء منذ سنين ولكنها لم تستطع ان تمحي نظرة الالم في عينيها مهما حاولت، ذلك البريق الذي تطالعه الأن يحمل الكثير من الذكريات البائسة لها وذلك الذي جعل عشرات الرجال يقعون في سحره اللعين فهم لطالما قالوا لها:
" عينيك فتنة لمن ينظر اليك "
***
قبل خمس سنوات،
ارتمت على الرصيف بجانبه وهي تضحك بسعادة ثم التفتت له وهي تصرح ببهجة مشعة من عينيها الفضيتين:
-   حبيبي، اني اعد لك مفاجاة.
لمعت عينيه بفرح ليسألها بفضول:
-   وما هي هذه المفاجاة يا ترى؟
ارجعت راسها الى الخلف الى ان تمددت رقبتها وضحكت بقوة مبتهجة من الافكار التي تراود بالها دون ان يعرف وهي تنظر الى السماء الصافية مبتسمة براحة وهي تتساءل:
-   حبيبي، هل أنت تحبني بالفعل؟
اعتدلت في جلستها وهي تنظر عميقا الى عيني الشاب الذي يقابلها فقرّب وجهه لها الى ان تلامسا جبينهما وارنبة انفهما ببعضهما البعض ثم همس لها بصوت يملئه الهيام:
-   بل اهيم في عشقك يا ساحرتي الجميلة ...
ازداد اتساع ابتسامتها أكثر فأكثر وقالت بمرح:
-    حان موعد اعلأن المفاجاة اذن.
قطب جبينه بفضول بينما هي انحنت على جنب ورفعت حقيبتها من الارض ففتحتها ثم رفعت امامه رزمة اوراق نقدية حينها فاتسعت عينيه ذهولا وهو يسألها باستغراب:
-   من اين لك بهذا المال يا فتاة؟
رفعت يديها الى فوق وبدات تحرّك خصرها وهي ترقص في قعدتها بينما تجيبه:
-   انني سافعل ذلك الوشم، سافعله، سافعله، سافعله واخيرا.
انقلبت ملامحه فجاة وصرخ في وجهها بغضب:
-   كفي عن الدندنة واجبيني، من اين لك بالمال؟
توقفت عن الغناء وقامت بانزال يديها ثم طالعته ببرود وهي ترد ببعض من الحدة بينما هي ملتفته له على جنب:
-   هذا لا يعنيك هذا اولا وثانيا صوتك العالي احتفظ به لنفسك لأنني ساقوم بالمثل وساصرخ اذا اعدت هذه الكرّة مرة ثانية، فلذا لا تجعلنا نصل لذلك الحد من العلاقة، رجاءً.
نهضت من مكانها ثم انحنت الى الحقيبة لترجع فيها المال متجاهلة اياه بينما هو ينظر لها وقلبه يتقطع من الداخل، هذه الفتاة تمثل له نقطة ضعفه، كل ما يخصها يؤثر فيه بشدة ومن اهمها تلك الشخصية المميزة التي تملكها فسألها بحيرة مقطب الحاجبين بعد ان استكنت ملامحه:-   هل أنت جادة بخصوص ذلك الوشم؟ ...
نظرت له نظرة يملئها التصميم وابتسمت له قبل ان تنحني عليه وتجذبه من يده ليقف امامها، انه يفوقها طولا ولكنها تحب هذه الصفة به لأنه كل ما يريد محادثتها يخفض راسه اليها ويضع انفه على انفها ليحادثها وهو يطالع عينيها بكل صدق، هذه طريقتهما الخاصة بهما:
-   عينيك فتنة لكل من ينظر اليك حبيبتي ...
أجابته وهي تطالعه بحب:
-   لكنني لا اريد لأحد ان ينظر الى ما عداك.
ارتفعت زوايا فمه الى فوق وابتسم على جنب ثم أجابها:
-   انها امنية مستحيلة يا ساحرتي الا اذا قمتي بتغطية نفسك عن الجميع، هذا هو الحل الوحيد لنا.
رفع عينيه الى شعرها الذي يتماثل لونه بلون الكراميل اللذيذ ثم قال بتحسر:
-   هل اجتمعت كل الفواكه في جسدك يا فتاة؟
ثم اضاف وهو ينظر لعينيها بهيام معلن:
-    لما لا تمنحيني حق تذوق شفتيك ولو لمرة وأحدة على الاقل؟
ابتسمت له قبل ان ترد عليه بجدية تناقض تعابير وجهها:
-   هل تريد تذوق دمائك حبيبي لأنني ساقوم بلكمك حينها!
أنتفضت وارتعش صوتها عند سماعها لاذان صلاة العشاء فصدمت بتلك اللمعة الفضية التي تلمع في عينيها من جديد وهمست لنفسها:
-   يقولون انني غامضة، ربما نعم أنا غامضة ولكن عندما يكتشفون سر تلك اللمعة الحزينة عندها سيكتشفون كل اسراري المدفونة خلفها ...
تراجعت الى الخلف ثم استدارت رامية فستانها على الفراش واتجهت الى الخزانة وفتحتها ثم قامت باخراج سروالا بيتي منها لتلبسه وقميصا قطنيا معه، ارتدهما بسرعة ثم خرجت من الغرفة عائدةً الى المطبخ لتتعشى ...
في الصباح،
فتحت عينيها ليقابلها سقف الغرفة الرمادي الفاتح، طالعته لبرهة ثم قامت بالتثاؤب فوضعت يدها على فمها قبل ان تنهض من فراشها، نظرت الى الساعة الموضوعة على المنضدة فوجدتها قد تجاوزت السابعة صباحا ثم ركزت بصرها على اطار الصور الموضوع بجانبها ومدّت يدها اليه ورفعته هامسةً بصوت حزين بينما تلامس الصورة باصابعها:
-   اشتقت اليك ابي، اشتقت اليكِ امي، اشتقت الى حياتنا السابقة، الحياة ارهقتني من بعدكما والأن اتحسر بشدة على حياتنا السابقة التي افتقدها بشدة من بعدكما، لقد افتقدت الى ذلك الامان الذي كنتما تمنحانه لي، من سيحميني الأن من بعد رحيلكما ؟!!...
مررت ابهامها على وجه ابيها القمحي واردفت بحسرة:
-   ابي، لو كنت موجودا معنا الأن لنجرا أحد عن الاقتراب مني ولكن مع هذا لا تخف، أنا اعدك باني سابقى قوية وسانجح في حمايتي وحماية شقيقتي الصغيرة مثلما كنت موجودا معنا من قبل، فليرحمك الله يا عزيزي ويرحم جميع المسلمين ...
ارجعت الاطار الى مكانه ونهضت ثم خرجت الى الشرفة لتفتح يديها وتستنشق هواء الصباح المنعش الى اخر نفس تستطيع استنشاقه في رئتيها الى ان ابتعدت قدمها من على الارض وهي تهمس بابتسامة مشرقة على وجهها:
-   اصبحنا واصبح الملك للّه.
رفعت جفونها لتفتح عينيها فاصطدمت نظراتها برجل يطالعها من الجانب الاخر للشارع ، رجل يرتدي بدلة رسمية في الاسود و يضع نظارة شمسية سوداء على عينيه ، اغمضت عينيها لوهلة غير مستوعبة ما شاهدته ثم اعادت فتحهما من جديد و لكنها لم تجد اثره فشهقت جزعا قبل ان تهرع الى الداخل و اغلقت باب الشرفة بعنف ثم ارجعت الستائر بسرعة فائقة ، اسندت راسها على القماش تلهث بانفاس منقطعة و وضعت يدها على صدرها الذي يعلو و يهبط بسرعة ثم استدارت تناظر شقيقتها النائمة في فراشها و اسرعت اليها ، انحنت عليها و بدات بتحريك كتفيها بينما تنادي عليها بالحاح :
-   نورهان، نورهان، استفيق، استفيق بسرعة.
تذمرت اختها تحت غلاف النوم:
-   ماذا ؟، ماذا ؟، ماذا؟
فتحت نورهان عينيها الناعستين ثم رمقت شقيقتها بحدة قائلةً بانزعاج:
-   هل هكذا الناس يوقظون اخواتهم؟
جذبتها نيرمين من يديها وحثتها من خلفها على السير بينما تقول بلهفة:
-   تعالي معي وانظري بعينيكِ مثلي.
وصلتا الى النافذة وجذبت نيرمين الستارة قليلا دون ان تعرض نفسها للشبهات واخذت تبحث عن الرجل بعينها من جميع الجهات لعلها تجده.
-   اختي ما بك؟، الى ماذا تنظرين؟
سالتها شقيقتها باستغراب فأجابتها نيرمين وهي تشير باصبعها:
-   انه كان هناك، أنتظري معي لعله يرجع.
امتعضت نورهان ثم قالت بانزعاج:
-   أنتظري ماذا ويرجع ماذا؟، أنت تزدادين غرابة يوما بعد يوم!، اف من هوسك المريض هذا! ...
تأففت ثم التفتت لترجع الى فراشها ولكن نيرمين امسكت يديها تمنعها من المغادرة قائلة بالحاح:
-   نورهان، صدقيني، لقد كان هناك رجل واقف في الناحية الاخرى من الشارع لمحته يراقب شقتنا ثم اختفى فجاة، اقسم لك ان ما شاهدته كان حقيقة!
تركت نيرمين يد شقيقتها ثم رفعت اصبعها لتشير الى وجهها لتقول بجدية:
-   انظري الى وجهي جيدا، هل ترى ملامحه عادية؟، انظري الى يدي ايضا، هل رعشة يدي تبان لك عادية؟
اسبلت نورهان جفونها وهي تصارحها بامتعاض:
-   تسمعيني جيدا، اذا اصابنا اي مكروه فسيكون هذا بسببك لأن كبريائك الغبي يمنعك من طلب المساعدة، اتركيني الأن لارجع الى فراشي وأنام ...
تركتها نورهان بعد ان أنتهت من حديثها ورجعت الى فراشها ثم ارجعت الغطاء على وجهها بينما ظلت نيرمين واقفة في مكانها والقلق يغلف قلبها، التفتت الى النافذة ثانية وجذبت الستارة لتشاهد الشارع الذي يخلو من المارة وهي تتنهد هامسة بشك:
-   لابّد انني اتخيل فقط، لا يوجد شيء هنا يدعى الى القلق صحيح.
ارجعت الستارة على النافذة ثم تحركت من مكانها مغادرة الغرفة وهي تقول لشقيقتها:
-   أنا ساذهب الى العمل، احكمي اغلاق الباب ولا تنسي وضع رذاذ الفلفل في حقيبتك قبل ان تغادري الشقة ...
ردّت عليها نورهان من تحت الغطاء:
-   حسنا، اذهابي في امان الله والى اللقاء ...
قضت يومها بين تدريب المبتدئين وتدريبها على عرضها القادم التي ستعرضه في باريس في اخر هذا الشهر ولكن فكرها ظل مشغولا طوال اليوم ولم تستطع ان تتنسى هيئة ذلك الرجل ...
-   حسنا، يا جماعة لقد أنتهى التدريب يمكنكم المغادرة ...
صفقت بيديها و هي تطالع الراقصين و عندما غادر الجميع و اغلقوا الباب خلفهم  تنفست الصعداء ثم استدارت و هي تنظر الى ارجاء القاعة  فاغمضت عينيها و ابتسمت لأنه خيل لها وجهه يطالعها بعيون عاشقة ، تلك العيون البندقية الحادّة لطالما اسرها بهما و هو يمدّ لها يده محرّك اصابعه لتنظم اليه فذهبت اليه و مسكتها ثم جذبها اليه الى ان اصطدمت بصدره الصلب و دفعها الى الخلف ليتقدّم هو بينما هي تتراجع ، وضع يده الاخرى على خصرها و جعلها تتمايل على جنب و يتمايل راسها على الجانب

المعاكس ثم قدّم ركبته الى الامام لتدخل بين ساقيها في حين بدا خصرها يتمايل يمينا و يسارا و ساقيها تتقدّم و تتراجع لتشاركه رقصة الباطشات و هو يحرّكها بكل مرونة و سلاسة.
جذب وجهها ليقبّل شفاهها ولكنها صدّته حينها ضيّق عينيه بابتسامة شقّت وجهه ثم قال:
-   انك فتاة متلاعبة يا ساحرتي.
الطرق على الباب أنتشلها من ذكرياتها ففتحت عينيها على اتساعها وهي تجد نفسها تلهث وليست في المحل الذي كانت فيه فاجالت نظرها على كل القاعة بينما تشعر بان العالم يدور بها وهي ليست واقفة على الارض حاليا ...
اعيد الطرق على الباب ثم سمعت صوت الرجل ينادي من خلفه:
-   نيرمين، هيّا اسرعي في الخروج اننا سنغلق الصالة ...
اخذت نفسا طويل ثم أجابته متنهدة بخفوت:
-   حسنا، ساخرج بعد دقائق ...
تنهدت وهي تهمس لنفسها بمرارة:
-   من بعدك مات الحب يا حب عمري، لأنني لن يجد أحدا بذات القيمة التي تمنحني اياها...
بعد ساعة،
نزلت من الحافلة لتتوجه الى الاقامة التي تسكن فيها بينما تتجول وسط الشارع شاردة في الكثير من الأحداث التي صارت لها مؤخرا، هذه المرة لم تسمع صوت التصفير وكلمات التحرّش البذيء، لم تمر من امامها السيارات السوداء وذلك الرجل لم يعد يظهر، ادارت راسها لكل الجهات تبحث بانظارها عن اولائك الرجال المريبين ولكنها لم تلحظ اي حركة غير عادية تحدث من حولها فهدئت قليلا ولكن شعور القلق في قلبها يابى ان يتوقف.
تنفست الصعداء ثم دخلت الاقامة وصعدت الدرج نحو شقتها ولكنها توقفت عند الباب تنظر الى صندوق كبير موضوع على الارضية امامه فرفعت راسها الى فوق لتطالع الطابق الاعلى ولكن لا يوجد أحد ولا توجد اي حركة تدعي الى سرقة الأنتباه حينها حرّكت شفاهها بتعجب وحملت الصندوق لتقرا اللافتة اللاصقة عليه
" مرسل الى نيرمين بن عطية "
حملته ثم فتحت الباب ودلفت الى الداخل وهي تنادي على شقيقتها:
-   نورهان، يا نورهان.
أجابتها من وراء باب الحمام:
-   انني استحم هنا
تقدمت نيرمين الى الداخل بعد ان اغلقت الباب ثم جلست لتفتحه ولكنها صدمت بصندوق اخر يوجد داخله عندها تكلمت بسخرية:
-   ما هذا الهراء؟
اعادت فتحه لتجد صندوق ثالث داخله فتكلمت بانزعاج:
-   اف، من هذا المعتوه الذي يستعمل هذا الاسلوب؟
وصلت الى حد الصندوق الخامس وفتحته حينها وجدت علبة حمراء مغلفة بقماش مخملي وعندما فتحت العلبة تعجبت من القلادة الموجودة فيها كما وضح لها من لمعانه انها مصنوعة من الالماس الخالص الذي يتميز بقوة بريقه.
مدّت اصابعها للقلادة ورفعتها مستغربة من شكل الفراشة المالوف لها لأنها تماثل تماما الوشم المرسوم على اسفل ظهرها وعندها لمح بصرها ورقة مطوية وسط العلبة قطبت حاجبها لغرابة الامر فوضعت العلبة على الطاولة ورفعت الورقة ثم فتحتها باستغراب، لم يمر زمن قليل وأنتفضت كمن لسعها عقرب، توقفت انفاسها وتسارعت دقّات قلبها وازداد شحوب وجهها، نظرت للقلادة بجزع ثم تكلمت بصوت منخفض:
-   لا غير معقول، كيف يمكن ان يحصل هذا؟

لا تنسو الضغط على النجمة للتصويت للرواية ⁦❤️⁩
ومتابعة الحساب لقراءة باقي البارتات والروايات ⁦❤️⁩

جحيم آرورا_ أميمة معرفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن