«جلست على قارعة الطريق أبكي سنيني وحظي التعيس، نصيبي الذي لا نصيب لي فيه، مقعدي الخالي في القطار وعقد الزواج غير الموقع. العيون علي، عيون الجميع والتمتمات علت في المكان... في الفستان الأبيض أجلس وحدي، دون مصوغ، دون ورود، ودون شريك. وكنت أنت تجلس حذو...
قطار النصيب، ذلك القطار الطويل الفولاذي الصلب، ذي الباب الواحد والنوافذ الكثيرة: قطار يتصاعد منه دخان المشاكل الزوجية ويتغذى على الأحلام المتفحمة والقرارات المتسرعة، قطار الباب الواحد والسكة الواحدة. يتكالب الجميع على صعوده لكن فقط المتزوجون هم من يظفرون بذلك ويراقبهم العزاب من مقاعدهم في المحطة، بعضهم بفتور وانعدام مبالاة وبعضهم بعيون الحسد والخيبة.
تصعد عروس الدرجات في زهو ويطلب منها مراقب التذاكر أن تسلمه تذكرتها، حينها هي تنزع طرحتها البيضاء عن شعرها لتضعها بين يديه الخشنة فيقوم بتقليبها مليا قبل أن يعيدها ويتنحى جانبا مفسحا لها المجال للعبور، ثم يعود ليطلب ممن يليها خاتمه.
قطار النصيب، هو قطار ندخله نحن النساء دون الخروج منه ونلتصق بكراسيه كالصمغ، نتيبس هناك ولا نتزحزح من أماكاننا. أما الرجال فهم قد يخرجون بين الفينية والأخرى حين يشعرون بالإختناق، فمكيف القطار معطل وأجواءه ''العائلية الزكية الدافئة'' باردة نتنة وخانقة، والرجال وحدهم هم من يختنقون، معاذ الله أن تختنق المرأة أو تشعر بالضيق.
المطلقون الذكور يغادرون القطار من بابه الواسع في مهمة سامية وحق طبيعي فطري، نبيل ومدروس لإيجاد سيدات أخريات يساعدنهم على الصعود، بينما تلقى المطلقات من النوافذ.
قطار النصيب، هو قطار يسمع فيه تكسر الصحون وبكاء الأطفال وصراخ الأهالي والمناوشات العائلية التي تقام في كانف الإحترام والتبادل المشترك لأنواع الشتائم، لكن يمكنك كذلك إن أرهفت السمع، وأعني بأرهفته أن تلتصق بالأبواب والنوافذ كالعلقة، فلربما حينها، ربما، ستتمكن من سماع بعض همسات الغزل وكلمات المحبة والمودة التي تستحي أن تبلغ أذن الناطق بها فما بالك بآذاننا نحن. الأمور هكذا تسير هنا، المجاهرة بالكره والتمتمة بالحب لأن الحب شعوذات إن نحن نطقناها عاليا ستذهب بالبشرية جمعاء.
