هنالك المثل العالمي القائل بأن "السّماء لا تمطر ذهبا أو فضة"،
وهنالك حُوريّة، ومثلها الأعظم، الأقل شهرةً لكن الأشد ابتكارا ووطأةً والذي ينص على أن السماء لا تمطر رجالاً.
"السّماء لا تمطر رجالاً"، "جارتنا لديها ابنُها يريد الزواج..." واللِّبَانْ؛ ثلاثة أمورٍ لا تفارق فاه حورية حين تجالس إبنتها عائشة. إن غاب أحدها فإن الآخر ينوبه لامحالة... لذا فإن سألتم عائشة عن أكثر الأوقات التي تفضّل فيها مجالسة أمها، فهي قطعًا ستجيبكم :"تلك التي تمضغُ فيها اللِّبان" ؛
أوقاتٌ يكون فيها فاه الأم مشغولا عن الكلام.
حورية امرأة في أواخر الخمسين، لديها ولدان أرسلت أكبرهما إلى الأكادمية العسكرية أما الأصغر فلازال طالب ثانوية، وابنتان زوجت احداهما قبل ست سنوات وتعتزم تزويج الأخرى هذه السنة.
وحين أقول تَعتِزم، فهي لا تمزحُ في ذلك.
يبدأ كل شيء دائما حين تنفرد الأم بالصبية في إحدى الغرف وكثيرا ما كان المطبخ مكانها الإستراتيجي الأمثل والأحب إلى قلبها. تكون عائشة -وهي آنسة في بداية عقدها الثالث تعمل ممرضة بإحدى ديار المسنين- قد باشرت عملا روتينيا عاديا كتقطيع البصل مثلا. وككل مرة تقطع فيها البصل، تتصاعد غازاته الحارقة إلى مقلتيها مما يدفعها -كأي إنسان طبيعي سليم يمتلك رد فعل فطري مناعي- إلى ذرف الدموع. ترفع كم قميصها لتمسحها في حركة عفوية وهنا..
هنا تحديدًا.. وهنا على وجه الخصوص والدقة، تتدخل والدتُها؛ السيدة حوريّة.تنظر نحوها نظرتها المتفحصة الجانبية، غير الراضية، الحادة، نظرتها الممتعضة تلك التي توجهها لشخصين فقط على وجه البسيطة؛ عائشة وكلب الجيران الذي يقفز من سطح المجاور إلى سطحهم في كل مرة ليسرق الثياب من على حبل غسيلهم ويعود بها إلى منزله؛ منزل الجيران.
ثم تلقي جملة عرضية وهي تعود لإكمال ما يشغلها:
-"تبكين لأنكِ وحيدة؟"-"لا لقد دخل رذاذ البصل إلى عيني أمي"
تجيبها بنصف انتباه بينما تفركهما.-"بالطبع ستفعلين، لو تزوجتي لما حدث لكِ ذلك"
تجيبها حورية بثقة. وهنا يتوقف عقل الصبية عن التفكير لوهلة، تتوقف يداها عن الفرك بل وتتوقف عيناها عن ذرف الدموع لهول ما سمعته أذناها.
تميل برقبتها وتظهر تقطيبة صغيرة بين حاجبيها ثم تنطلق خلايا عقلها المسكينة تجوب رأسها المفرغ راكضة في هلعٍ تفتح أدراجه وتبسط أوراقه، تسحب القواميس والمعاجم في دوامة من الفوضى العارمة والمحاولات اليائسة لشرح وترجمة وعقلنة ما سمعته للتو:
أنت تقرأ
عريس على قارعة الطريق | Bridegroom on the roadside
Romance«جلست على قارعة الطريق أبكي سنيني وحظي التعيس، نصيبي الذي لا نصيب لي فيه، مقعدي الخالي في القطار وعقد الزواج غير الموقع. العيون علي، عيون الجميع والتمتمات علت في المكان... في الفستان الأبيض أجلس وحدي، دون مصوغ، دون ورود، ودون شريك. وكنت أنت تجلس حذو...