حتى بعد مرور واحد وعشرون ساعة من التحديق في هذه القضبان لا زالت تبدو غير مألوفة بالنسبة لي ، حديدة صدأة باردة ، تحول دوني ودون السماء الزرقاء التي تحتضن سحب الخريف التي شارفت على الوصولطرق الضابط على إحدى القضبان بطريقة مزعجة مستفزة نظر لي بوجهه متعفن الملامح ، و أمرني بالخروج فتبعته بحيوية الشباب التي تسري في عروقي رغم أجواء السجن المسببة لعفونة القلوب
نفس غرفة التحقيق التي ترددت عليها كثيراً ولكن ليس نفس الوجه الذي كان يحقق معي ، إمرأة في بداية العشرينات على غرار ذلك المحقق العجوز الذي أقتحم الشيب حياته وإستحال شعره أبيضاً ، أشارت لي بالجلوس فجلست ، غرفة متوسطة الحجم ذات جدران سوداء وأرضية بيضاء اللون ، مع طاولة خشبية وكرسيين ، يتدلى من السقف مصباح ينير عتمة المكان ، جلست على الكرسي وفعلت هي
رحبت بي وقالت بعدها" سوف أكون المسؤولة عن التحقيق معك من الآن فصاعداً " نبثت بصوت رزين تزينه الثقة ، برأس مرفوع لم تشهد له الأرض إنتكاسة
" الجميع يكرر نفس الكلمات ، لست مميزة " أخرجت كلماتي بهدوء فلا مشاعر تسيرني حتى أبدي أي تعبير على وجهي
سخرت بإبتسامة جانبية من كلماتي وأردفت" سوف أكون مختلفة عزيزتي صدقيني "
" لست عزيزة أحد فلا تكذبي ، إن كنت كذلك لما كنت هنا الآن ولما كان أمثالك يقومون بإستجوابي "
نظرت لي مطولاً ولم تنبث بشيء ، حولت بصرها للأوراق أمامها في حين كان العجوز الشائب يتكأ على الحائط ويضم يديه إلى صدره ويمعن النظر إلينا بإحتراف
" قبل أن نبدأ ألديك أي شيء تودين أن تقولينه لي ، فقط لنختصر على أنفسنا الوقت ، فأنا ما إن أبدأ ، لا أتوقف حتى تخون الحقيقة صاحبها "
بتحذير ونظرات حملت بين طياتها الكثير تحدثت وأعطتني عشر دقائق من الوقت حتى أخضع لرغباتها ولكنني إكتفيت بالخمس ثوان الأولى فقط" إن كان لدي لما كنت معي الآن "
إبتسمت وهزت رأسها بنظرات إعجاب قبل أن تزيح أواقها إلى يمين الطاولة قربها وشبكت يديها تضعهما أمامي وقالت :
" إذن دعينا نبداً ، إسمحي لي أن أطلب إجابات صادقة ، فأنا محترفة لا تتعثر بالكذبات ""وأنا أنقى من أن أتفوه بالكذبات"
" لماذا ؟ "
نبثت واثقة تنظر إلى داخل مقلتيّ ، حيث أعيننا تخوض حرباً ضروساً ، لم تحدد وأنا أعلم تكملة ما تسأل عنه ولكن الجواب سوف يكون نفسه
"لا أعلم "" لن أقبلها كإجابة "
" إذن ألفي واحدة ، لن يهتم أحد "
" سوف أكرر سؤالي مجدداً ولعلمك أنا أكره الأغبياء"
"لست بغبية ولكن لا يوجد ما أعرفه ولا تعرفينه"
إبتسمت ساخرة وأردفت:
"ولكن في رأيي أعلم أنك تملكين جواباً عن سؤالي "