الفصل الأول

271 11 2
                                    

فى تمام الثانية بعد منتصف الليل، توقفت سيارة مرسيدس سوداء أمام إحدى الملاهى الليلة، ترجل من سيارته بطلته الخاطفة للأنفاس، ظهرت على زاوية فمه بسمة ساخرة و هو يطالع المبنى أمامه، و كان ذلك قبل أن يغلق باب سيارته و يتحرك بخطوات ثابتة تجاه الباب الرئيسى للملهى.
وقف فى مقدمة تلك الصالة شاسعة المساحة، و هو يضع يديه الاثنتين فى جانب بنطاله، فكان يبحث بعينيه عن أحد الأشخاص بين ذلك الكم من الشباب الفاسد الذى يتناول المحرمات و تتمايل أجسادهم على تلك الأغاني الأجنبية بطريقة مثيرة للإشمئزاز، و قبل أن يعثر على مُراده، جاءت إليه فتاة ترتدى فستان لا يكاد يستر شيئًا من جسدها إلا قلة، و كانت تتغنج فى طريقها إليه، وقفت أمامه و هى تتدلل: «باسل» باش مش ناوى تحن؟؟
نظر إليها بتقزز قبل أن يقول بضيق:
- هحن لما ربنا يهديكى يا «ميار»، أندهى ل «حسام» عشان نمشى.
زفرت بغيظ و غابت عن نظره لبضع ثوانى ثم عادت إليه مرة أخرى و معها شاب غير قادر على موازنة وقفته بسب تلك المسكِرات التى تفوح رائحتها الكريهة فى المكان، نظر له «باسل» بعدم رضا ثم أشار ل«ميار»:
- يلا هتروحى معانا.
فى ذلك القصر الفخم ذى الأثاث الراقى، و التابع لعائلة «المُعز» و تحديداً قاعة الجلوس، دفع «باسل» «حسام» على الأريكة بزهق، و أردف بصوته الأجش:
- فوق لنفسك يا حسام، انا مش فاضى كل يوم و التانى أجرى وراك و اجيبك من الأماكن الزفت دى.
حسام بسخرية:
-طب ما تسيبنى يا عم براحتى، أنت مالك؟
زفر باسل بضيق و أكمل بنفس نبرة البرود:
- و الله براحتك، بس أنا بنبهك لإن الميراث هيتوزع بكرة و كل واحد فينا هيرجع لمكانه و حياته، و لو فضلت بإسلوبك ده كل الفلوس اللى انت مستحمل الفترة دى عشانها هتروح منك فى غمضة عين، فبراحتك انا بس خايف عليك.
نظر حسام إلى ميار و قال بسخرية:
- على أساس إنه شايلى فى القلب طيب فخايف عليَّ.
لم تعقب ميار على حديث حسام و إنما وجهت اهتمامها ل«باسل» و قالت:
- أنت هتسافر الكويت تانى؟؟؟ طب و أنا؟ مش هنتجوز؟
لم يجبها باسل و إنما توجه إلى الخارج و هو يقول:
- اهتمى ب«حسام».
اطبق حسام يده على معصم ميار و سحبها إليه و هو يقول:
- ما تسيبك من باسل و ركزى معايا أنا موجود و أنتى عارفة إنى بحبك.
ابتعدت عنه بنفور و هى تقول:
- ريحة الخمرة دى زى الزفت قوم اغسل كدا، و بعدين نشوف الحوار اللى مش بينتهى ده.

*******
فى صباح اليوم التالى.
اجتمع الثلاث أحفاد فى قاعة الجلوس و معهم ميار و محامى العائلة الذى يدعى «رمزى» و هو رجل خمسينى بشعر أبيض و بشرة بدأت تتجعد بعض الشيء، أخرج من حقيبة عمله ظرف واضعاً إياه على المنضدة أمامهم و قال:
- دى وصية جدكم السيد «راشد أحمد المُعز».
كانوا جميعاً منصتين إليه باهتمام و ينظرون إليه فى صمت بانتظار توضيح أكثر، فأكمل هو:
- و الوصية دى بتقول إن كل الأملاك مكتوبة بيع و شراء باسم شخص واحد بس.
نظر الثلاث أحفاد إلى بعضهم البعض باندهاش، فلم يكن هذا ما وعدهم به جدهم، لقد كان الاتفاق أن تتوزع الأملاك على ثلاثتهم بالتساوى، أردف باسل فى هدوء: يعنى ايه الأملاك مكتوبة باسم واحد بس، طب و الاتنين التانيين؟؟
و أضاف حسام:
- مين بقى اللى جدى بيحبه أوى فينا و كتبله كل الأملاك؟؟
نقل رمزى نظره بينهم قبل أن يجيب قائلًا:
- و لا واحد فيكم، هى بنت.
ابتسم حسام و أردف ساخرًا:
- معقول ب اسم ميار!
نظر رمزى إلى ساعته اليدوية و نهض قائلًا:
- زمنها وصلت.
لم يفهموا ماذا يقصد و هو لم يترك مجال لسؤالهم و إنما اختفى عن الأنظار متجهًا إلى الخارج، ثم عاد بعد قليل وحيدًا فسأله فارس الحفيد الثالث و هو يتفقد الحيز خلفه بعينيه:
- هو فى حد المفروض يكون موجود؟؟
أجابه رمزى و هو يتنحى عن موضعه و يشير بيده صوب الباب فى علامة ترحيب:
- طبعًا، مستنى مدام «أروى خالد صفوان».
نظروا جميعًا إلى الباب حيث تدخل أروى و التى هى فتاة عشرينية صاحبة بشرة بيضاء يعكسها فستانها الأسود و خمارها الماليزى باللون السُكرى، رفعت بنيتيها تتفقد الجالسين أمامها و محدقين بها باستغراب، افتر ثغرها عن ابتسامة و قالت: السلام عليكم و رحمة الله.
ردوا عليها السلام باقتضاب، باستثناء فارس الذى أُعجب بهيئتها و بادلها ابتسامة خفيفة.
سأل باسل بضيق:
- تطلع مين أروى دى كمان؟؟
كاد رمزى أن يجيب لكن منعته أروى عندما ابتسمت و أجابت بصوتها الرقيق:
- أنا أروى خالد صفوان، أرملة راشد أحمد المُعز........جدكم.
فرغ فاه حسام بدهشة فى حين وقف باسل و هو يضع يده فى جيب بنطاله و قال ساخرًا:
- يعنى نقولك يا تيتا و لا يا ستو!
لم تفارق البسمة وجه أروى التى عقدت ذراعيها أمام صدرها و قالت:
- زى ما تحب، أنا بردو فى مكانة ستك.
تحرك باسل من مكانه حتى وصل إليها، و رفع يده مربتًا على رأسها بخفة و هو يقول باستخفاف:
- العبى بعيد يا عسل......مش فاتحينها حضانة.
ابتسم حسام و ميار على ما قاله باسل، فمن يرى أروى بجانبه يعتقد حقاً أنها طفلة فجسدها الصغير لا يقارن بجسده الرياضى مفتول العضلات.
تغاضت أروى عن جملة باسل و تخطه لتجلس بجانب ميار و هى تقول:
- المحامى معاكم و معاه كل الاوراق اللى بتثبت صحة كلامى، و انى فعلاً زوجة جدكم الله يرحمه.
*******
كان باسل فى غرفته يعمل على حاسوبه عندما جاء إليه حسام، الذى وقف ساندًا ظهره على خزانة الملابس و قال:
- هنعمل ايه دلوقت؟؟ هنتنازل عن الأملاك؟
رد عليه باسل دون أن يرفع رأسه عن الحاسوب:
- جاى دلوقت تاخد رأى؟؟؟ مش كنت لسه زعلان امبارح عشان بنصحك؟؟
تنهد حسام و تفوه:
- احنا ايوه صح علاقتنا مش أحسن حاجة، بس المثل بيقول أنا و أخويا على ابن عمى و أنا و ابن عمى ع الغريب، انا ضدك فى مشاكل شخصية، بس حالياً الأمر يتطلب إننا نتحد ضد أروى و بعد ما نرجع حقوقنا اللى هى سرقتها يرجع تانى الحال لحاله و كل واحد يشق طريقه.
توقف باسل عما يفعل و نظر إلى ابن عمه قائلاً:
- منطقى بردو، أنا موافق، هنبقى واحد لحد ما نسترجع اللى هى سرقته مننا.

أحفاد المُعزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن